الحياة عموما في متناقضاتها، ومتشابهاتها، الليل، والنهار، الصيف، والشتاء، الفقر، والغنى، السعادة، والشقاء، تمثل مصدر إلهام، وعبر، تعين الفرد في تلمس طريقه فيها ليعيش حياة طبيعية لكن هذا لا يتحقق لكل أحد، بل يلزم الفرد أن يكون نابها ملاحظا بدقة لما يجري في محيطه الضيق، أو المحيط الواسع، سواء على مستوى العلاقات الشخصية، أو المستويين المحلي، أو العالمي، وما يحدث فيه من فعاليات، أو أحداث، وتقلبات في العلاقات بين الأفراد، محبة ونفورا، أو بين الأمم حروبا، وسلما، علوا لطرف وتراجعا لطرف آخر.
في العلاقات اليومية، والمواقف التي يواجهها الفرد تمثل منجما يجد فيه الفرد الحكمة، والنضج في طريقة التفكير، فمن الناس من يكون فجا في طريقة تفكيره، فإما أن لديه شذوذا فكريا يجعله يتخذ مواقف متطرفة نحو كثير من الأشياء، فيرفض، ولا يتقبل فكرة تعرض عليه لتحسين وضعه الاجتماعي، ويتشبث في نظام حياة عقيم، ولا يقبل التجديد، إذ قد يعيش ظروفا صعبة ماديا، وعائليا، وإذا ما أسدي له فكرة تخرجه من هذا الوضع ينبري لإبراز سلبيات الفكرة، ليبرر رفضها، وعدم الأخذ بها، ويغلق ذهنه عن التبصر في الجوانب الإيجابية في الفكرة.
أناس كثر يفضلون الاستمرار في وظيفة بسيطة لا يكفي مرتبها للاحتياجات اليومية بما يحقق الكفاف، والخروج من دائرة الفقر، ولو قدر وعرض على أحدهم البحث عن عمل إضافي كأن يعمل في سوق الخضار، أو بائعا متجولا في الأسواق، وأمام المساجد لرفضها، وربما اتهم من أسدى الفكرة، وأبدى استعداده لتقديم الدعم اللازم بعدم النصح، وسوء النية. مثل هؤلاء ينطبق عليهم ضيق الأفق، والتصلب الذهني، وعدم المرونة، وكأنما العمل الذي يقوم به لا بديل له.
الدرس الذي يخرج به من يتعامل مع هؤلاء الشعور بحالة إحباط، لكنها لا تصل إلى حد اليأس، والاستحالة، ولذا الأفضل التحلي بطول النفس، والتنوع في طريقة الإقناع لهؤلاء من خلال عرض أمثلة حقيقية لأشخاص مشابهين له، لكنهم بقبول النصيحة، والبحث عن الفرص المتاحة تمكنوا من تغيير أوضاعهم للأفضل، حتى أصبحوا يشار إليهم بالبنان وأعلاما في المجتمع، كما أن من الأساليب إيصال الفكرة من خلال طرف موثوق عند من تقدم له الفكرة.
من النماذج التي يتكرر وجودها في أي مجتمع، وأي بيئة عمل ما يمكن تسميته الشخص المتذمر، فتجده كثير التشكي، والنقد لكل ما حوله، وعدم الرضا عن أي شيء، فينتقد الأنظمة، والقوانين، وينتقد بيئة العمل، ومديره، وزملاء العمل، لكنه في الوقت ذاته لا يلمس منه أي جهد لإصلاح ما ينتقده، بل هو ذاته لا يقوم بواجبات العمل كما يجب، فتجده يتأخر في المجيء للعمل، ولا يتعاون في إنجاز المهمات، وأنا أعرف زملاء عمل يعطون دروسا لفظية جميلة، لكن من الناحية العملية لا يطبقون ما يقولون على ذواتهم، فلا يعملون في اللجان، ولو قدر وانضموا لعضويتها يتهربون من القيام بأي عمل في اللجنة، كما يتهربون من الإشراف على طلاب الدراسات العليا، حتى المحاضرات ربما لا يؤدونها إلا بالحد الأدنى.
الدرس المستفاد من التعامل مع هذه الفئة هو مواجهتهم بواقعهم، وتبصيرهم أن التنظير سهل، ويمكن أن يؤديه أي شخص ذلك أن الإنصات لهم ربما يشعرهم بالرضا، والقبول، ومن ثم الغرور، والشعور أن أداءهم مرضي عنه، كما أقوالهم، من تجربتي الإدارية في الجامعة وجدت أن وضع النقاط على الحروف مع هذا النوع من الأفراد هو الأسلوب الأمثل، كما أن ربط الإنجاز لا لأقول بالتقييم السنوي يسهم في تغيير البعض منهم، وكأن المثل القائل: "ناس تخاف ما تستحي" لم يوضع إلا لهؤلاء.
الشك من الأمور التي تمر على الناس، إلا أن البعض تكون وتيرة الشك لديهم عالية، وربما تصل إلى الحد المرضي فتجده يشك في كل قول، وفعل، ومن مؤشراته الدالة عليه كثرة الاستفسار من الطرف الآخر عن الموضوع، حتى لو تكرر إيضاح الموضوع له، وسعيه للاستقصاء من أطراف عدة، حتى لو كان الموضوع بسيطا، ولا يترتب عليه أي أضرار، ولذا يكون التردد سمة بارزة لدى من يعاني هذه الحالة. الدرس المستخلص أن الأفضل إخراج هؤلاء من حالة الشك بالشفافية معهم، وربط إجراءات العمل بالأنظمة المعمول بها لإبعاد شعور شبح الاستهداف الذي يمر به الفرد نتيجة قرار، أو نظام جديد تم إصداره.