جُهد عظيم وعمل رصين عن حياة الشاعر الكويتي الراحل عبدالله الجوعان رأي النور الثقافي أخيراً على يد من نذر وقته وحياته العلمية والشخصية في التوثيق للحركة الشعرية والأدبية والثقافية ككل في الكويت وخارجها أيضاً.

قدم الأخ العزيز الدكتور خليفة الوقيان مؤخراً عملاً قيماً يثري المكتبة الكويتية والعربية أيضاً، وهو عبارة عن «ديوان عبدالله الجوعان..1911ــ1993 م»، بعد سنوات من المساعي الحثيثة في إقناع أسرة الشاعر الجوعان الكريمة، بضرورة الإفراج عن جميع ما توافر لديها من أوراق تمهيداً للتحقيق والبحث والنشر.

يتبين جلياً حجم وعمق الجهد الشخصي المضاعف والمضني، الذي صاحب رحلة الأديب خليفة الوقيان في عملية التحقيق وتقصي المصادر وتنقيح الأوراق حتى يرى النور هذا العمل الثقافي القيم، تحقيقاً لهدف واحد وهو توثيق سيرة ومسيرة شاعر الكويت العروبي الراحل عبدالله الجوعان وإبراز اهتمامه بـ«الوحدة العربية ونبذ التفرق والخلافات».

ركز الأديب د.خليفة الوقيان في مقدمة ديوان عبدالله الجوعان على المسؤولية الأسرية التي تتحملها كل أسرة مبدع من الشعراء في «التقصير في حفظ أعمال ذويهم ونشرها ومن ثم تمكين الباحثين من الوصول إليها ودراستها بدلاً من تركها عُرضة للضياع».

يؤدي الإهمال في مثل هذه الظروف، إلى اندثار وضياع «القدر الأكبر من نتاج أعلام الشعر الكويتي الذين برزوا في العقود الأولى من القرن العشرين، مثل: عبداللطيف إبراهيم النصف، وأحمد خالد المشاري، وسيد مساعد الرفاعي، وحجي بن جاسم الحجي، فضلاً عن الذين سبقوهم من شعراء القرنين الثامن والتاسع عشر».

ضم ديوان عبدالله الجوعان العديد من القصائد والمخطوطات، التي نُشر كثير منها في صحف مختلفة كجريدة «الراصد» اللبنانية وجرائد «أخبار الكويت» و «القبس» و«الطليعة» الكويتية.

ولعل من أبرز القصائد ذات البعد القومي العربي، القصيدة التي استهدفت الحشد الجماهيري لحملة التبرعات لمصلحة فلسطين عام 1948، التي جاء فيها:

«بَني وطني من فاته الطعن فليجدْ

بيمناه ما تسخو به نفسه براً

فما ضَر أن يعطي الفتى من نوالهِ

«فلسطين» ما يجلى به ذلك الضرّا».

تناول ديوان عبدالله الجوعان مراحل تاريخية شتى، على المستويات العربية والكويتية والخليجية ايضا، حيث كتب قصيدة عن «دبي لوس انجلوس العرب» عام 1981.

كان للكويت نصيب كبير من اهتمامات الشاعر العروبي عبدالله الجوعان، متفاعلاً ومنتقداً حيناً ومعتزاً ومنتصراً حيناً آخر في اتجاهات شتى تتعلق بالحركة الاجتماعية والسياسية في الكويت، بينما خص في إحدى قصائده الوطنية شخصيات كويتية بارزة وهما الدكتور أحمد الخطيب، والمرحوم يعقوب الحميضي، وكلاهما مناضلان وطنيان قوميان.

فقد ورد في قصيدة «من كان مع الله كان الله معه»:

ليس الخطيب ولا يعقوب أو أحد

من الشيوخ المغاوير الميامين

يرضى بإبعاد منكوب عليه عدت

عوادي الدهر من باغ وصهيوني

قد شردتم يد الإجرام عن وطن

يَحِنُّ دوما إليه: يا فلسطيني

فليس غير شباب في الكويت وعي

وليس أحراره: إلا العناوين

ويا خطيباً فلا هنت ولا وهنت

منك المساعي لمحروم ومغبون.

ثروة ثقافية ومعلوماتية ضمها ديوان عبدالله الجوعان حتى وإن جاء نشره متأخراً، لكنه بكل تأكيد بمنزلة النداء الفكري من عقل عروبي مثقل بالهم الثقافي والأدبي، وهو الدكتور خليفة الوقيان في حث أسر المبدعين على عدم حظر نشر ما لديهم من أوراق وصور ومعلومات، فالإبداع هو ملك للتاريخ الثقافي وركن مهم من أركانه.