بإمكان حلفاء النظام السوري في لبنان الاغتباط بفوز رئيسه بالرئاسة مجدداً وأن يخدعوا أنفسهم بأن بشار الأسد سيبقى حاكماً لسوريا لسبع سنوات أخرى، إلا أن خداع ملايين السوريين واللبنانيين والعرب يستحيل في ظل الانتخابات المهزلة التي ادعى فيها النظام أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 78.66 في المئة.

السوريون القاطنون على الأرض السورية، في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد وفي مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) وفصائل إسلامية أخرى، وفي الشمال والشمال الغربي حيث الجيش التركي والوحدات العسكرية الموالية لأنقرة، وفي جنوب سوريا ولا سيما في درعا وريفها ومحيطها، حيث دعت الفصائل المعارضة إلى إضراب عام احتجاجاً على الانتخابات، سواء انتمت إلى وحدات الفيلق الخامس المدعوم من قبل موسكو والذي يضم مقاتلين ورموزاً معارضة لجأوا إلى الحضانة الروسية في إطار ما سمي بالمصالحات في المناطق التي سيطر عليها الجيش الروسي قبل 3 سنوات، أو إلى تشكيلات سياسية وعسكرية أخرى.

السوريون الذين يحق لهم الاقتراع يبلغ عددهم زهاء 18 مليوناً، فيما العملية جرت في مناطق سيطرة النظام (مع الجيش الروسي والميليشيات الإيرانية) التي مساحتها أقل من ثلثي مساحة سوريا ويقطنها أقل من 11 مليون ناخب مسجلين على لوائح القيد. خداع الرأي العام بنسبة التصويت في وقت يعيش جزء من الـ11 مليون ناخب خارج البلاد كنازحين أو لاجئين، من أصل قرابة العشرة ملايين سوري الذين فروا من حكم عائلة الأسد قبل وبعد بدء انتفاضة الشعب السوري في آذار 2011، لا يقتصر على احتساب معارضي النظام الذين يرفضون التجديد للأسد، بل يشمل إهمال تعداد السوريين في مناطق النظام الذين امتنعوا عن الاقتراع ورفعوا شعارات ضد الأسد وحكمه، على رغم الترهيب الذي مورس على من لم يغادروا قراهم ومدنهم، أو عادوا إليها، والذين فرضت عليهم أجهزة المخابرات التصويت، عبر أقاربهم من موظفي القطاع العام، مهددة إياهم بأن تسجيل الأرقام التسلسلية لهويات المقترعين ستكشف من تجاوب ومن امتنع. أما خداع العراضات التي شهدتها دول الشتات ولا سيما لبنان، فإن تولي حلفاء النظام تضخيمها بالمسيرات السيارة، لم يحجب واقع أن من اقترعوا هم الأقلية بين مئات آلاف النازحين، بهدف ترهيب الباقين منهم فضلاً عن أن كثراً ممن شاركوا في المسرحية كانوا ممن احتاجوا إلى تجديد وثائقهم التي احتجزت لدى السفارات، من أجل ضمان تأييدهم لرأس النظام يوم الاقتراع. فكيف يمكن أن تكون حصيلة من اقترعوا 14 مليوناً؟

لا يحتاج المرء إلى تعداد الحجج حول الخديعة، نظراً إلى إدراك القاصي والداني ألاعيب أجهزة الأمن.

في لبنان لم تغادر أجهزة المخابرات ذلك الوهم الذي تحكّم بالعقل الحاكم فيها منذ أيام الرئيس حافظ الأسد، بأن نفوذه في لبنان يثبّت حكمه في سوريا، على رغم ما أصاب سوريا على مدى نيف وعشر سنوات، وحوّل الحكم فيها إلى حارس للقصر الرئاسي، متهم بالمجازر وباستخدام أبشع أنواع الأسلحة ووسائل القتل ضد شعبه، فيما النفوذ على الأرض يتقاسمه الروس والإيرانيون والأتراك والأميركيون وحلفاؤهم وإسرائيل، حتى إذا لم يكن للأخيرة قوات في الميدان كالآخرين.

سقط هذا الوهم الذي يحاول بعض حلفاء النظام إحياءه، إلى الأبد، وبات النفوذ في عهدة "حزب الله" على الأسد العودة إليه في لبنان. بدلاً منه يسعى النظام إلى الإفادة من الانفتاح العربي عليه، الذي يأتي فقط في سياق استمرار الصراع على سوريا خلال السنوات المقبلة والذي ينظمه المايسترو الروسي. المأساة تكمن في استبعاد إعادة ملايين السوريين النازحين إلى بلدهم من التسويات الظرفية، في وقت يعجز القابع في القصر الرئاسي عن تقديم ثمن هذا الانفتاح، أي الابتعاد عن إيران.