نأتي إلى هذا العالم وأرواحنا صفحات بيضاء لم تنقش عليها الحياة بعد أي خبرات أو تجارب، وحين نخطو أولى خطواتنا تبدأ عقولنا في استقبال ذلك الكم الهائل من الأعراف الاجتماعية التي لا تعني بالضرورة أنها صائبة دوما، وحين نتقدم قليلا في العمر تبدأ هذه الأعراف المجتمعية في الرسوخ بكل ثقة في أعماقنا، ثم نبدأ في الإيمان بها والعمل ضمن مقتضاها، بالأمس كنت أتحدث مع إحدى الزميلات فقالت بنوع من الحسرة، "والله إني أرحم أختي عندها خمس بنات وزوجها منكد عليها عيشتها يبغى ولد"، مثل هذا الزوج وغيره ممن يعيشون على فكرة مجتمعية بالية لا تمت لديننا العظيم بصلة، وهي أن الولد يسهم في بقاء مجد والده خالدا حتى بعد وفاته، بينما البنت لا تمنح والدها هذا المجد العظيم.
كثير ممن من خلد أسماءهم التاريخ كعظماء عاشوا على هذا الكوكب في فترة من الفترات، وقدموا للبشرية خلاصة أفكارهم وعلمهم وأعمالهم ومؤلفاتهم ونظرياتهم لم يتزوجوا أصلا، ومنهم ابن تيمية والطبري والإمام النووي وابن النفيس وإسحاق نيوتن وبيتهوفن والعقاد وغيرهم، أما من تزوجوا فهم لم يكونوا بحاجة إلى أبنائهم الذكور ليخلدوا مجدهم التليد، فنحن نعرف فلسفة أرسطو وأفلاطون وسقراط وعبقرية أينشتاين وستيفن هاوكينج وشاعرية المتنبي وأبي القاسم الشابي وعنتر بن شداد وأدب شكسبير وأجاثا كريستي... إلخ، لكن هل سمعنا يوما بأن أبناءهم هم من أسهموا في إبقاء أمجادهم طوال آلاف ومئات الأعوام التي توالت؟ بالطبع لا.
لذلك عزيزي الزوج لو أنجبت زوجتك عشرة أولاد وعاش أصغرهم 70 عاما بعد وفاتك فسيخبر أبناءه عنك وعن أعمالك العظيمة، ثم لو عاش أحفادك مثل هذا العمر فسيذكرون لأبنائهم شيئا يسيرا من سيرتك التي يعتقدون أنها كانت عظيمة، ثم سيأتي الجيل الثالث من الأحفاد لن يعرف عنك سوى اسمك الرابع الموجود في بطاقة الهوية الوطنية الخاصة بهم، إذن على أفضل الأحوال بعد 100 عام لن يتذكرك أحد في هذا العالم وستطوى سيرتك إلا من تعليق اسمك في شجرة العائلة.
ثم دعني أسألك سؤالا يا من "تزعل" من زوجتك كلما أنجبت لك فتاة كالقمر، ما أعمالك العظيمة التي قدمتها للبشرية حتى تخاف أن يطويها التاريخ حين ترحل عن هذه الدنيا؟.
وخزة:
بعض الأفكار المجتمعية التي تستمد بقاءها من الإرث الجاهلي آن الأوان لدفنها للأبد.. و"يا زين البنات".