لا تنفصل ثنائية الدّولة العِراقيّة ودولة الميليشيات، والجيش الوطني والحشد الولائي، عن الشعار الذي أطلقه «حزب الدَّعوة» داخل إيران: «ذوبوا في الإمام الخُميني كما ذاب هو في الإسلام»، والذّوبان المطلوب ليس لحزب أو ميليشيا، إنما العراق يذوب في الخُميني وخليفته. مع خطورة الانصهار تحت لواء قيادة بلد أجنبي، وعندما يُرسم شِعار لحزب أو جماعة أو شعب، فهو حسب إسلامي دعوي: «عملية ذوبان إيمانية- وجدانيَّة أوصى(الصَّدر) بها الآخرين، عندما قال: ذوبوا في الإمام الخميني...»(رؤوف، محمد باقر الصَّدر بين دكتاتوريتين).
على أنّ مُطلقه كان محمد باقر الصَّدر(أُعدم: 1980)، وكان «الدَّعوة» أشاعه، داخل إيران، في الخميني(ت: 1989)، بالصيغة المذكورة. ظل الشِّعار حيَّاً عند القيادة الإيرانيَّة، لما فيه مِن شرعيَّة ذوبان العِراق فيها وولايتها عليه. على أنَّ الذي أطلقه يعد مرجعاً لدى الجماعات الحزبيَّة الشِّيعة بالعراق، وخصوصاً بعد(2003)، لذا جاء الشِّعار على لسان المرشد، في الذكرى الأربعين لانتصار الثَّورة، مُذكراً به الجماعات الحزبيَّة بالتزام شرعي عليهم، «قال الصَّدر: ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام»(خامنئي، قناة الأيام الفضائية، أبريل 2019).
ومعلوم ما يتبناه نائب الإمام يتبناه «حزب الله» اللبناني، فذكر حسن نصر الله الشعار ثم شرحه بالعبارة: «ذوبان النَّاس بولاية الإمام وقيادة الإمام»(صدى الضَّاحيَّة والنَّعيم نيوز8 أبريل 2020). أما «حزب الله» فذائب منذ تأسيسه، مؤسسه الخمينيّ نفسه(1982)، نسخةً مِن «حزب الله» الإيرانيّ، الذي تأسس عند وصول آية الله طهران، لأسلمة المجتمع والبطش بالخصوم، ومنه تشكلت الشَّرطة الدِّينية (المطاوعة).
لكنَّ لا «حزب الدَّعوة» ولا خامنئي ولا نصر الله، نقلوا كلام محمد باقر الصدر كما هو في هذا الذوبان، ومعلوم ماذا يعني الذّوبان بين الأجسام والأفكار، يعني إلغاء ماهية الجسم أو الفكر، وفي العبارة المذكورة يعني إلغاء وطن، والانقياد الأعمى وراء المذاب فيه، وهو مصطلح يقابل الحلول عند الصُّوفيّة، فتخيل خطورته في السِّياسة!
نُشرتْ، بعد وفاة الخميني، رسالة محمد باقر الصدر، وبخط يده، ومنها استل «الدَّعوة» الشّعار ونشره على نطاق واسع، وهلل له الإيرانيون. وجه الصدر رسالته إلى تلامذته، مَن خاطبهم بأولادي، وختمها بكلمة «أبوكم»، جاء فيها الذَّوبان المرجعي الآتي: «إنَّ مرجعيَّة السَّيد الخميني، التي جسدت آمال الإسلام في إيران اليوم، لابد الالتفاف حولها، والإخلاص لها، وحماية مصالحها، والذوبان في وجودها العظيم، بقدر ذوبانها في هدفها العظيم»(شبر، حزب الدَّعوة الإسلاميَّة، والنُّعماني، سنوات المحنة وأيام الحصار، والعاملي، الصدر السيرة والمسيرة). نقلَ الصَّدر، بهذا الذَّوبان، المرجعيَّة مِن النَّجف إلى إيران، ومِن المرجعية التقليديَّة إلى السِّياسية، والتي سماها بالرَّشيدة والصَّالحة والقائدة، لأنها حققت حلمه السِّياسي.
غير أنَّ الذوبان الذي نحته «الدعوة»، مِن رسالة الصدر، تقرباً للخميني، جعله الذوبان الفكري والسياسي، بل وإذابة العّراقي وآماله، حتى أصبح الانصهار في مشروع الخميني هدفاً، وبهذه الروحية يتعامل الإسلاميون، الذي تسلموا السلطة ببغداد، أيّ الذوبان الكامل، وما كثرة الميليشيات الولائية إلا تعبير عن تكريس ثقافة الذّوبان بإيران. كان الصدر مزهواً بانتصار الثّورة، فقال: «تحقق حلم الأنبياء»(الصَّدر السِّيرة والمسيرة)، لكنها شهور ويغص بورطة الذَوبان و«حلم الأنبياء»، فقال لأحد تلامذته عن الخميني وإدارته: «زجونا وعافونا(ورطونا وتركونا)»(الأمين، التخلي الإيراني وإعدام عالم شجاع، موقع الجنوبيَّة).