قبل يومين أرسل رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في لبنان «حسان دياب» نداء استغاثة إلى القادة العرب قال فيه إن «الصورة أصبحت واضحة: لبنان واللبنانيون على شفير الكارثة، لكن عندما يحصل الارتطام الكبير، سيتردد صدى تداعياته خارج جغرافيا لبنان إلى المدى القريب والبعيد، في البر والبحر. لن يستطيع أحد عزل نفسه عن خطر انهيار لبنان».

وأضاف في «مكاشفة الموت الأخيرة»، التي أطلقها في تجمع ضم عدداً من السفراء العرب أن «الربط بين تقديم المساعدات وتشكيل الحكومة يشكل خطرا على حياة اللبنانيين، وعلى الكيان اللبناني لأن الضغوط التي تُمارس والحصار المطبق على لبنان لا يؤثر على الفاسدين بل يدفع الشعب اللبناني وحده ثمناً باهظاً يهدد حياته ومستقبله كما يهدد لبنان كنموذج ورسالة في العالم، وما نشاهده من هجرة هو دليل على أن اللبنانيين قد بلغ اليأس منهم فقرروا مغادرة الوطن».

والحقيقة أن حديث دياب هنا يحمل قاسمين مشتركين ساهما في تعاظم مشكلة لبنان في السنوات الأخيرة، وجعلاها عصية على مشاريع الحلول الداخلية والخارجية. الأول هو أن الزعماء اللبنانيين سواء كانوا في موقع المسؤولية الحكومية أو خارجها يظنون أن على المجتمع الدولي أن يساعدهم بصفتهم الشخصية، ومن ثم يتولون هم نقل هذه المساعدة إلى الشعب اللبناني. يظنون أن وجودهم أكبر من وجود الحكومة، وأن شرعيتهم التي اكتسبوها بعد «حرب الطوائف» أكبر من شرعية أية حكومة.

والقاسم المشترك الثاني في أدبيات الخطاب اللبناني الحديث هو اعتقاد اللبنانيين الجازم والمبالغ فيه أن دول المنطقة والمجتمع الدولي حريصة على عدم دخول لبنان في جولة جديدة من الحرب الأهلية! وأنه لابد أن هناك أيد ستمتد من خارج الحدود لحمل لبنان قبل أن يسقط في الحفرة الأخيرة. يراهنون على هذ المسألة وكأنها واقع لا يقبل التشكيك. يؤمنون أن الحرب التي «تنذكر وما تنعاد» تحتل جزءاً كبيراً من ذهنية العالم! بعد اتفاق الطائف عام 1990 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية الأولى التي استمرت 15 سنة ولم يتعد خطرها حدود لبنان، مرت الدولة اللبنانية بمنطقة «برزخ سياسي» استمر لسنتين أو ثلاث، ثم تشكل بعد ذلك النظام المتعدد الأقطاب الذي جعل من الزعماء الطائفيين اللبنانيين رؤساء فخريين لكامل الدولة اللبنانية، وتحول النظام الانتخابي تبعاً لذلك لمفرزة طائفية تعيد إنتاج الفشل في كل دورة انتخابية. أوهم النظام المتعدد الأقطاب اللبنانيين أن المسيحي إن تمكن من الحكم سيقصي ويهمش السني والشيعي والدرزي.

ومرر للشيعة أن السنة سيجتثونكم من المشهد في حال حكموا لبنان. وصور للسني أن المسيحي والشيعي هم أعداء مفترضين له، وبالتالي صار المواطن السُني ينتخب النائب السُني فقط. والمواطن الشيعي ينتخب النائب الشيعي فقط. والدرزي والمسيحي يفعلان نفس الشيء، ما ساهم في نشوء دولة «علمانية بمفردات طائفية».

لو اشتغل اللبنانيون في منطقة البرزخ على بناء دولة جديدة متحررة من حرب الخمسة عشر عاماً لربما كان حال لبنان اليوم غير الذي نعرف، لكنهم اكتفوا بنجاح الطائف، وقد كان عظيماً بالفعل في وقته، لكنه كان قاعدة البناء وليس البناء كله، وهذا ما لم يفهمه زعماء الطوائف.