أكره ندب النساء على ضحية وأثمن وقفة الرجال حتى ولو أثخنتها سهام الغدر بالجراح، أحب وقفة النخيل في وجه ريح عاصفة وأعشق موتتها وهي واقفة. لبنان الذي أحب، أو لبنان الذي أريد، أو لبنان الذي كان، لن يعود مثلما كان، لو عادت الروح للجسد سيعود لبنان إلى الأبد، شعار المرحلة وكل مرحلة، لافتة عظمى على مدخل عروس بيروت التي فقدت فستان عرسها في ليلة الزفاف أو يوم التفجير العظيم، بكى من بكى، ومات من مات، وشمر الأشرار عن سواعدهم بين طيب لا حول له ولا قوة وشرس يدعي النبوة لكنه يفتي بغير علم، وعالم عريس أقبح منظرا مما كنا نعتقد بكثير.

الكاتب والمفكر اللبناني الكبير حمزة عليان وهو في مهجرة بالكويت ينعى بيروت بعد الفشل الذريع في تشكيل حكومة وحدة بسبب المدللين سعد وباسيل، الأول زعيم بالتبني والثاني الصهر والنسيب وننوس عين أمه في بعبدا، فشل جديد للفشل، عادي لكن قلم حمزة لم يهرب إلى غمده في الجبال، ولا إلى صمته على كل حال، بل التقط بكاميرا صديق شاهد بأم عينه تفجير المرفأ العظيم، تحدث عنه بدموع لم تخجل من النحيب وفي سطور لم تكف عن العويل، وفي بهاء لم يخف الأمل في غد أفضل، وعالم أجمل وعمر أطول للبنان العظيم.

الشارع اللبناني الطيب لم يعد شارعًا طيبًا مثلما كان الحال في الانتفاضة البكر، الطوائف والمال السياسي، وعنق الأيديولوجيا أصاب براءة الثوار في مقتل، وأفسد نقاءهم الوطني، ودخل إليهم بالحنجل والمنجل وكتاب الله، تسلل العنف إلى مشهد الطهر الثوري، إلى العهر السياسي، وأصبح الرهان على الشارع في خطر، زعماء الطوائف بوجههم القبيح يديرون المشهد اللبناني بنفس أنانية كقابيل عندما أحل دم شقيقه هابيل، لم يعد هناك من يقاوم، أو يحكم بأمر الله، أو يحارب من أجل إيمان، أصبح التقسيم العشوائي والأولويات هو المحرك لملوك الطوائف وهم يحكمون بأمر المصلحة العليا للوجع، صاروا مثل عجائز الكوارث القديمة يفرضون الإتاوات على كل من يمر صدفة في شارع الضحية، مثلهم في ذلك مثل فتوات الحواري وبلطجية المسطحات المائية عندما ينقضون كالقراصنة لالتهام الوجبة الساخنة من فم الوليد، إما فشل الحريري المتكرر في تشكيل حكومة وحدة وطنية وهو في قلب بيت الأسد عون، وأما والمشهد المزري وقد أصبح قابلا للتكرار بسبب تدخل جبران باسيل السافر في التشكيلة المرفوضة أصلا من عون وتياره غير الحر، فإن مستقبل لبنان المرئي سيظل محروما من حكومة مرضي عنها من أصحاب المشروع التفتيتي الكبير للبنان المريض، بل ما تسمى بكومة تسيير الأعمال التي بقيت في الحكم منذ التفجير المهول، فإن أكثر من علامة استفهام أصبحت تصول وتجول حول طبيعة عملها بعد أن فشلت في تشخيص المجرم الحقيقي الذي فجر الوطن يوم أن فجر المرفأ. الكارثة التي هي أمر وأعظم أن مصرف لبنان المركزي وحاكمه المنتمي للحكومة ذاتها التي لا تسير أعمال ولا يحزنون مازال متهما، ومازالت أصابع الحالة المتردية للعملة اللبنانية التي أصبحت لا تشتري شيئا إثر تراجعها لما يزيد على 23 ألف ليرة مقابل كل دولار، دفع بالحالة الصحية المتدهورة إلى التدهور الأسرع من سريع، فاختفى الدواء والغذاء وحتى حليب الأطفال، وأصبح الخبز عزيزا غاليا، ولقمته العصية نادرة متعالية، والمجرمون الحقيقيون في قصورهم العالية يحكمون ويتمادون في حكمهم ويؤتمرون بمن يحركونهم من الخارج القريب والبعيد، والعالم يضحك، والضحايا يضحكون والعرب يضحكون، وأصبح الشارع الطيب مختطفا ورواده الطيبون يضحكون، ولا عزاء إلا لمن يدفع الجزية قبل أن يدخلها بسلام أو يخرج منها بسلام، ولك الله يا لبنان.