أحداث كثيرة شكّلت المشهد السياسي الحالي في تونس بعد أن توجه الرئيس التونسي قيس سعيّد بقراره التاريخي يوم الاثنين الماضي كأهم وأبرز تطور طرأ على تونس منذ ثورات «الربيع العربي»، أي منذ عشر سنوات، والقرار يقضي بتجميد أعمال مجلس النواب الذي يترأسه راشد الغنوشي المنتمي للتنظيم «الإخواني» ورفع الحصانة عن نواب البرلمان بسبب الاحتجاجات التي عمت تونس تنديداً بما آلت إليه الأوضاع من تراجع على جميع الأصعدة، جراء سياسات «الإخوان» الفوضوية والتعسفية المعطلة لمصالح البلاد والعباد، فجاء قرار الرئيس مباشرة بعد ترؤسه اجتماعاً طارئاً وتشاورات مطولة مع القيادات العسكرية والأمنية في البلاد، ما أفضى إلى انتشار الجيش التونسي تحت مظلة الدستور لحفظ الأمن والشعب والمقدرات، وبالتالي منع الغنوشي والنواب في حزب «النهضة» من دخول البرلمان، فيما تحرك الشارع التونسي في تظاهرات مؤيدة لقرارات الرئيس ومناوئة لحزب «النهضة» الإخواني.

في المقابل، ومنذ إعلان الرئيس التونسي قراره التاريخي بتجميد البرلمان بدأت حسابات الرموز «الإخوانية» على مواقع التواصل الاجتماعي بسعار إعلامي للطعن بقرارات الرئيس ووصفها (بالانقلاب على الدستور)، ووصف المتظاهرين المناهضين لهم بالعصابات الإرهابية والإجرامية والمرتزقة، في حين أن الشارع التونسي يتحرك ويتدفق غضباً ويهتف بأشد العبارات الرافضة لوجودهم في السلطة، ولازالت -حتى الساعة- حسابات رموز «الإخوان» ورؤوسهم في أصقاع الأرض تهيج وتقدح وتنسج الأكاذيب ضد قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، وتؤجج جموع المنتمين للتنظيم داخل تونس وخارجها حتى وصل الحال إلى التحريض على العنف والتعبئة ضد السلطة الشرعية والدعوات للتصادمات والتخريب، وفي الوقت ذاته سارع «اتحاد علماء المسلمين»، الذي أسسه يوسف القرضاوي، ويرأسه حالياً أحمد الريسوني (الواجهة السياسية لتنظيم الإخوان) بإصدار بيان ضد قرارات الرئيس التونسي بأنها «لا تجوز شرعاً ولا أخلاقاً» في استغلال سافر للدين لمآرب وأجندات الحزب السياسية. وقد تناسى اتحاد القرضاوي أن بيانه الذي استخدمه لمهاجمة الرئيس التونسي قد أصدره من ذات المكان الذي أعلن فيه تأسيس «الرابطة الدولية لفقهاء القانون الدستوري» 2019 بحضور قيس سعيد نفسه الذي وقع عليه الاختيار بحكم جدارته وخبرته القانونية -حسب إشادتهم- ليترأس الرابطة ! وحري بنا هنا تأمل التناقض «الإخواني» والتلون حسب مصالح الحزب ومكتسباته السياسية ما بين جدارة قيس سعيد في 2019 واتهامه بخرق للدستور في 2021!

حزب «النهضة» الذي تسلل للسلطة تحت غطاء الديمقراطية والحقوق والدستور كان يراهن على قدراته المدعومة حزبياً في إقصاء الرئيس وتحييد صلاحياته التي يسعى من خلالها لمحاربة الفساد وتقويم المنظومة الصحية والإصلاحات الداخلية المتعددة. أعضاء الحزب استبعدوا هذه الخطوة المباغتة في تنحيتهم وإنقاذ البلاد من عبثهم، وهي الخطوة التي باركتها الجموع في الشارع التونسي، وخرجت لتبرهنها على أرض الواقع في مظاهرات ضخمة ومؤيدة للتطورات التي قام بها الرئيس.

لو عدنا بالزمن قليلاً، سنلاحظ أن لغة المهيجين والمؤججين من «الإخوان» ضد التطورات السياسية في تونس هي ذات اللغة «الإخوانية» التي استخدمت ضد الرئيس السيسي بعد خروج 30 مليون مصري عقب ثورة 30 يونيو عام 2013، التي أطاحت بحكم مرسي و«الإخوان» ووصفها «بالانقلاب العسكري» رغم أنها ثورة شعبية ضد حكم «الإخوان».
تم انتخاب قيس سعيّد رئيساً للجمهورية التونسية في انتخابات حرة ونزيهة عام 2019، وقد بارك «الإخوان» فوزه بالرئاسة ووصفوه بالحر النزيه النبيل.. إلخ. أما اليوم ولأنه أحبط حصنهم الأخير وهدم أحلامهم فهو من وجهة نظرهم رئيس منقلب على الشرعية وخارق للدستور، وهذا ضرب من الفجور «الإخواني»، ولا لوم عليهم، فالصدمة قوية مع هدم آخر معاقلهم، وتبدد أحلامهم وتلاشي سلطتهم في الشرق الأوسط !