كنت قد كتبت سطورًا فى هذا المكان يوم ٢١ مايو تحت عنوان: موسى والمنقوش!.. وكان القصد هو الإشارة إلى امرأتين عربيتين قويتين هما: نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية فى ليبيا.. وعبير موسى، رئيسة الحزب الدستورى الحر فى تونس!.

وقتها تلقيت رسالة من سطر واحد من السفير محمود الخميرى، سفير تونس السابق فى القاهرة، تقول: امرأتان تتكاملان.. إحداهما فى الحكم والأخرى فى المعارضة!.

ولا تزال عبير موسى تقاوم تسلط التيار الدينى المتشدد فى تونس بقوة وجدارة.. وقد كان لها دور لا شك فيما شهدته بلادها مؤخرًا.. ولا يخيفها أو يجعلها تتراجع أن يخرج عليها رجل من بين المحسوبين على هذا التيار فيصفعها فى قاعة البرلمان!.. فالصفعة قد زادتها قوة على قوتها، وأعطتها عزيمة فوق عزيمتها، ومنحتها شراسة مضافة إلى شراستها!.

أما المنقوش فلا هدف لها فى موقعها منذ جاءت إلى منصبها مارس الماضى، إلا الدعوة فى كل مناسبة وكل محفل إلى خروج عناصر الميليشيات، والمرتزقة، والمقاتلين الأجانب، من بلادها تمامًا.. وقد دعت إلى ذلك مرارًا حتى صارت وكأنها خنجر فى خصر كل الذين لا تريحهم دعوتها، ولا يعجبهم كلامها، ويؤرقهم أن تعتبر دعوتها غاية لا تتنازل عنها!.

ولم تكن دعوتها تعجب الحكومة التركية فى أنقرة طبعًا، ولا كانت تصادف هوى لدى رجال تركيا فى ليبيا ممن لا يرغبون فى خروج عناصر المرتزقة!.. ولكن ذلك كله لم يضعف من تصميمها، لأنها كانت- ولا تزال- ترى صالح بلادها فوق كل شىء!.. وفى مرحلة من مراحل تمسكها بالدعوة إلى خروج المرتزقة الذين جلبتهم تركيا، جاءتها تهديدات من الذين أحسوا بقوة منطقها، ولكن ذلك لم يزحزحها عما وجدت أنه واجب تجاه بلدها وأبنائه!.

والذين يتابعون تطورات الحالة السياسية فى ليبيا، لا بد أنهم لاحظوا اختفاء المنقوش خلال الفترة الأخيرة بشكل يكاد يكون عن قصد.. فلقد ظهرت للمرة الأخيرة فى مؤتمر برلين الذى انعقد فى ألمانيا الشهر الماضى، ومن بعده اختفت تمامًا إلى حد أن عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، غادر إلى نيويورك قبل أيام لحضور جلسة مجلس الأمن حول بلاده دون وجودها فى رفقته!.

وقبل أسبوع نفت حكومة الدبيبة استقالة الوزيرة، بعد أن ثارت تساؤلات حول أسباب اختفائها، فكان نفى الاستقالة من نوع النفى الذى يؤكد الخبر فى لغة الصحافة، أو بمثابة النفى الذى يدارى أن المنقوش هذه الأيام ليست هى المنقوش التى عرفناها عالية الصوت دفاعًا عن حق بلدها فى الوجود والحياة!... إن مجرد وجودها فى الحكومة يبعث بالكثير من التفاؤل حول مستقبل ليبيا، واختفاؤها هو اختفاء صوت حر وشجاع.. صوت تحتاجه ليبيا أكثر مما تحتاج أى شىء آخر.. صوت يقول إن روح عمر المختار حية لا تموت!.