أضحى التساؤل الذي يقض مضاجع العالم برمته، نخبة وعوام، عرب وعجم، شرقاً وغرباً، هو إلى أين تمضي أحوال المناخ العالمي؟ وهل الأرض في طريقها إلى الأسوأ الذي لم يأت بعد قولاً وفعلاً؟ التساؤل المتقدم أذكته ولاشك تطورات أحوال الطقس غير المعقولة الأسابيع القليلة الماضية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، والتي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في تاريخها بالنسبة لدرجات الحرارة، وبرودة وثلوج غير موسمية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، مع اعتدال معقول في منتصف الأرض.

هذا الاضطراب غير المسبوق يضع البشرية أمام حالة من الحيرة تجاه مستقبل الكوكب الأزرق، وإلى أين يمضي؟ وكيف للبشرية أن تواجهه إن أرادت الحفاظ على النوع البشري؟ في هذا السياق صدر منتصف يوليو الجاري في الولايات المتحدة الأميركية هذا الكتاب، والذي يحمل عنوان:«بعد التبريد: على الفريون والاحترار العالمي والتكلفة الرهيبة للراحة»، للكاتب والأكاديمي الأميركي، إريك دين ويلسون، صاحب الكتابات المهمة والمعمقة عن العلاقة بين الإنسان والبيئة.

يمزج العمل بين الرؤية العلمية والأسلوب الأدبي، ويتناول وقائع التاريخ وحقائق العلوم، وتأثير غازات التبريد، الفريون، على أحوال الطقس، ويبسط ما يشبه التأملات المؤلمة حول كيفية العيش بشكل هادف وأخلاقي، في عالم سريع التسخين.

يفتح المؤلف نقاشاً واسعا ًحول غاز التبريد الذي يعمل على تكييف الهواء، ويسرد تاريخ إكتشافه وعلاقته بعلوم المناخ، وبالجنس البشري، ويضع القارئ أمام علامة استفهام جذرية:«هل كان الفريون نعمة للإنسان أم نقمة عليه؟». يؤكد ويلسون أن غاز المبرد، الفريون، هو الذي كان وراء إحداث ثقب هائل في طبقة الأوزون، تلك التي تقوم بدور حيوي ورئيس في مناخ الأرض، حيث تمنع دخول الأشعة الضارة والتي تزيد من سخونة الكرة الأرضية. في هذا الكتاب يتتبع المؤلف عُمر المبرد، منذ اختراعه في عشرينات القرن الماضي عندما تم الترحيب به باعتباره معجزة القرن، وصولاً إلى الأصوات التي علت منذ ثمانينات القرن الماضي تطالب بحظر المادة الكيميائية التي تعمل على تبريد الأجواء، وما أثاره هذا الأمر من ردات فعل سياسية، بعضها مرتبط ولاشك بجماعات الصناعات ذات العلاقة بالبيئة، وأهدافها البراجماتية المالية، والبعض الآخر موصول بالمجموعات التي تسعى للحفاظ على البيئة من الملوثات، التي تهدد بانفجار كوكب الأرض برمته.

في مقال أخير له بمجلة «التايم» الأميركية الشهيرة، يتحدث «ويلسون» عن مفارقة عجيبة، تستحق منا التوقف أمامها، وعنده أنه خلال الفترة التي عرفت باسم الحرب الباردة، بدا وكأن الإنسانية تمضي في طريق الانتحار، إذا اشتعلت الحرب العالمية النووية، وهو ما قدر للبشر أن يتجنبوه في تلك الفترة، غير أن «حرب التبريد»، قد تكون السبب في الانفجار الإيكولوجي الأخطر المحدق بالأرض، لا سيما في ظل العدد المتزايد من الأميركيين الذين يملكون مبردات ومكيفات وصناعتها التي يصفها بأنها تنتهك القوانين.

ما هي المحصلة المتوقعة عند ويلسون لهذا السلوك الإنساني؟ باختصار غير مخل، ومن دون تهويل، ستكون النتيجة هي القضاء على طبقة الأوزون تقريبا بأكملها. ولعل من أهم ما ورد في هذا العمل الشيق هو الكشف عن الهدف الحقيقي، الذي تم اختراع المكيفات من أجله في أوائل عشرينيان القرن الماضي، وهو تسيير العمل في قطاعات التصنيع، حيث كان التبريد مطلوباً للحفاظ على نضارة السلع وجودتها، وليس من أجل راحة ورفاهية البشر. هل يتخلى الناس اليوم عن المكيفات وغاز الفريون لإنقاذ الأرض، أم سيلقى كوكبنا مصيره المحتوم؟