هناك مقولة صادقة – ولا أدري هل هي حديث شريف أم لا - وهي التي جاء فيها: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، وهناك مقولة أخرى لا تقل عنها وهي: اطلبوا العلم ولو في الصين – أو بلاد «يأجوج ومأجوج» - وهم بنو الأصفر، وبعضهم يطلقون على تلك البلاد «الواق واق».
ولكن ما علينا، فتلك البلاد بعد أن خرجت من لعنة ماو تسي تونغ الشيوعية، ها هي اليوم تزاحم الغرب وأميركا على صدارة التقدم الحضاري، وكل ذلك تم ببركات العلم.
وسوف آتي لكم بنماذج بشرية، لم تستسلم لظروفها الحياتية الصعبة، وقفزت للأمام، رغم أن تلك القفزات بسيطة إلا أن لها دلالة:
فهذا عم فتحي، أكبر طالب سناً على مستوى العالم، قبل أن يُتوفى، حيث كان يتعمّد الرسوب كل عام في السنة النهائية بكلية الطب لكي لا يغادر المدينة الجامعية بجامعة القاهرة، فقد زادت فترة إقامته بالمدينة الجامعية في جامعة القاهرة على نصف قرن، إذ إنه حضر جميع حروب مصر بداية من حرب فلسطين 1948. وكتب خلال هذه الحروب مذكراته ورفعها للرئيس الراحل أنور السادات، الذي وافق له على إقامته في المدينة الجامعية، وظل بها حتى وفاته، وقال في آخر حواراته: إنه التحق بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة عام 1964. ويقيم بالمدينة الجامعية للطلاب منذ ذلك الوقت، معتبراً حياته هبة للعلم واتساعاً لمداركه في كل المجالات وعلى رأسها الطب.
ونموذج آخر ليس من بلادنا العربية ولكنه من الفلبين، حيث تمكن أحد حراس الأمن الذي أمضى ما يقرب من عقدين من الزمن في حراسة ومراقبة الطلاب في الجامعة واستطاع الانضمام إليهم كطالب واحتفل بتخرجه بحسب صحيفة «الإندبندنت»، وحاول طوال الوقت التنسيق بين وظيفته كحارس للجامعة، وبين الدراسة وكونه أباً لثلاثة أطفال، وتمت مكافأة جهود ماكوا بتخرجه بدرجة الامتياز وحصوله على شهادة البكالوريوس.
الشهادة بحد ذاتها ليست هي المهمة، بقدر الشغف بالمعرفة والتعلم، وإليكم كمثال عباس محمود العقاد وهو من أعظم المفكرين والأدباء في مصر، لا يحمل سوى الشهادة الابتدائية.
وها هي الروائية الشهيرة أغاثا كريستي، لم تذهب قط إلى المدرسة، وتلقت التعليم في المنزل على يد والدتها، بل إنها عانت من صعوبات الفهم لقواعد اللغة، وكانت تعاني في صغرها من تهجي الحروف.
ولا أستبعد أن أحدهم قد يهزأ بي لحشر نفسي في مجال العلم والمعرفة، قائلاً لي: «يا مدبّر العربان دبّر نفسك»، لا تلبس ثوب ما هو ثوبك، يا (......).