يتحدث بطل إحدى القصص القصيرة لأوسكار وايلد، عن لقاء مصادفة تمّ بينه وصديق له منذ أيام الدراسة الجامعية، ولكن الصلات بينهما انقطعت حين أخذت الحياة كل واحد منهما إلى مسار مختلف عن الآخر. كان الرجل الحاكي في القصة جالساً يستنشق الهواء في مقهى باريسي، وهو يتناول مشروباً يروق له، ويتأمل من حوله ما وصفه ب«البانوراما الغريبة» للحياة الباريسية بتناقضاتها بشيء من الاندهاش، حين سمع أحدهم يناديه باسمه، ولما التفت وجد ذلك الصديق الذي مضت عشر سنوات على الأقل منذ افترقا.
عبّر الحاكي عن سعادته برؤية ذلك الصديق، ماداً إليه يده ليحيه بحرارة، فهما صديقان قريبان من بعضهما، وهو يكنّ له احتراماً كبيراً، بل إن هذا الصديق، الذي قال عنه بأنه كان وسيماً ممشوق القوام، محل تقدير كل زملائه في الجامعة، الذين اعتادوا على وصفه بأنه أفضل الناس صحبة، وكان الجميع يقدّر فيه صراحته.
لم يشر أوسكار وايلد في القصة إلى ما إذا كان الصديق لم يعد وسيماً ممشوق القوام كما كان، ولكنه على لسان بطله الحاكي قال إنه وجده قد تغيّر كثيراً من آخر عهده به، فقد بدا له قلقاً وفي حيرة من أمره، ولا علاقة لذلك بالأفكار، فالرجل لم يعرف عنه بأنه من المأخوذين بالنزعات التجديدية، بل إنه أميل إلى المحافظة في مواقفه السياسية والفكرية، فرجح أن يكون مصدر هذا التغيير، أو الحال القلقة التي بدا عليها، أموراً متصلة بحياته الشخصية، وهو ما سنعرف تفاصيله حين نكمل قراءة القصة.
أياً كانت الأسباب، سواء اتصلت بتغيّر في رؤيتنا للحياة والأحداث، أو إعادة النظر في مواقف سبق لنا أن اعتقدنا بصحتها في مراحل عمرية من حياتنا، أو تحولات في الحياة الشخصية لكل منا لا مفرّ من أن تترك آثارها علينا من الأوجه المختلفة، فإننا، على الأرجح، لا نعود أنفسنا في المراحل المختلفة، فالتجارب، الحلو منها والمر، لا بد أن تغير فينا الكثير.
وبطبيعة الحال، فإن استجابات الأفراد تتفاوت، فإذا كانت هذه التجارب تزيد البعض ثقة في أنفسهم وفي قدراتهم، وتهيئهم لعطاءات أغنى وأنضج، فإنها، على العكس، قد تصيب البعض بإحباطات وخيبات أمل، لذا نفاجأ بما آلوا إليه، حين نلتقيهم بعد انقطاع طويل، فلا نجدهم كما عهدناهم عندما كانوا شباناً، تماماً كما وجد بطل أوسكار وايلد صديقه الذي التقاه في المقهى الباريسي، وسنواجه مثله السؤال عن الأسباب التي أدت به إلى ما أصبح عليه، وحاول أن يتقصى منه تفاصيلها.