بعد عشرين عاما من ذهاب إدارة بوش الابن إلى أفغانستان وبعد مضي ثمانية عشر عاما على حرب العراق، يصحّ التساؤل هل العالم في وضع أفضل أم لا؟ الجواب لا كبيرة، خصوصا أنّ أفغانستان تعود إلى حضن “طالبان”. إضافة إلى ذلك، ليس ما يشير إلى أن النظام في إيران تعلّم من التجارب التي مرّ فيها ومن حال البؤس التي أوصل إليها البلد الذي كان يفترض أن يكون بلدا غنّيا بكل ما يمتلكه من ثروات طبيعية ومهارات بشريّة…

يخشى انطواء أميركا على نفسها وتكرار فشلها الأفغاني، وبالتالي العراقي، في غير مكان في العالم. يخشى حصول ذلك في ظلّ إصرار إيران على استمرار مشروعها التوسّعي. ثمّة خوف على مستقبل العراق الذي عليه أن يختار، خصوصا بعد الانسحاب العسكري الأميركي القريب هل عليه الاستسلام لميليشيات “الحشد الشعبي” التابعة لإيران أم لا؟

ثمّة خوف أكيد على مستقبل سوريا، هذا إذا كان الحديث عن مستقبل سوريا، حيث أحدثت ايران عبر ميليشياتها المذهبيّة تغييرا ديموغرفيا على الأرض. بين آخر فصول هذا التغيير ما يحدث في جنوب سوريا حيث بات مطلوبا، بتواطؤ روسي، تهجير أهل السنّة ووضع الدروز تحت رحمة “داعش” كي يكونوا موضع ابتزاز مستمرّ من النظام الأقلّوي المقيم في دمشق.

ثمّة خوف على لبنان الذي صار عمليّا تحت السيطرة الكاملة لـ”حزب الله” في ظلّ رئيس للجمهوريّة اسمه ميشال عون يعتقد أن إيران ستوصل صهره جبران باسيل إلى رئاسة الجمهورية، تماما كما فعلت معه.

أخيرا، ثمّة خوف على اليمن حيث يثبت الحوثيون (جماعة أنصار الله) الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة أنّ الكيان الذي أقاموه في شمال البلد وعاصمته صنعاء باق إلى ما لا
نهاية. أكثر من ذلك، إنّ هذا الكيان تحوّل إلى قاعدة صواريخ إيرانيّة تهدّد أمن كلّ دولة من دول الخليج العربي.

سيتبيّن في الأسابيع القليلة المقبلة إلى أيّ حد ستتأثّر السياسة الخارجيّة الأميركيّة بالفشل الأفغاني. سيتبيّن خصوصا هل لا يزال في استطاعة حلفاء الولايات المتحدة الاتكال عليها أم عليهم إعادة النظر في حساباتهم؟

الخوف كلّ الخوف أن تكون إدارة جو بايدن تتمة لإدارة باراك أوباما الذي تغاضى عن عملية الاحتيال التي مارسها الإخوان المسلمون والتي سمحت لهم بوضع اليد على مصر في مرحلة معيّنة. الأكيد أن حلفاء أميركا في المنطقة، خصوصا في الخليج فهموا الرسالة وسارعوا إلى دعم التحرّك الشعبي المصري في حزيران – يونيو 2013 والذي أدّى إلى التخلّص من نظام الإخوان. كان هذا النظام كفيلا بالقضاء على مصر وعلى دورها في المنطقة.

يبدو الخيار واضحا أمام إدارة بايدن. إنّه خيار بين أن تخلق عقدة جديدة لنفسها اسمها أفغانستان وأن ترفض السقوط في الفخ الذي نصبته لنفسها. نقطة البداية من أجل التخلّص باكرا من هذه العقدة هي في امتلاك سياسة خارجيّة أكثر وضوحا، سياسة خارجيّة لا تقوم على لافتات كبيرة من نوع مواجهة التحدي الصيني بمقدار ما تقوم على فهم ما يجري على أرض الواقع، خصوصا في ما يخص إيران والدور الإقليمي الذي تطمح إلى ممارسته على حساب دول المنطقة العربيّة كلّها!