وضعت حكومة المملكة خطتها الطموحة للنهوض بكل الأنشطة في الدولة، من أجل مجتمع رغيد وحياة كريمة لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، ومن أجل ذلك أطلقت المملكة رؤيتها 2030 التي ستغير وجه المملكة لما لها من أهداف وبرامج، كان آخرها إطلاق برنامج "تنمية القدرات البشرية" الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يدل على أهمية هذا البرنامج الذي سيركز على أهم عناصر ثروات الأمم وهو العنصر البشري، خصوصاً تأهيل الشباب السعودي للمنافسة عالمياً، وتعزيز القيم التي لا غنى عنها من صدق وأمانة واستقامة، وتطوير المهارات التي يتطلبها الحاضر والمستقبل، ولن يستطيع تنفيذ ذلك إلا التعليم النوعي، ولهذا أسند لوزارة التعليم دور جوهري في تنفيذ البرنامج، وأصبح وزير التعليم رئيس اللجنة التنفيذية للبرنامج، فالتعليم هو الأساس لبناء القدرات وترسيخ القيم وتخريج جيل يحقق طموحات القيادة للحاق بركب الدول المتقدمة، والتنافس مع بقية شباب العالم في مختلف المجالات العلمية والثقافية والرياضية.

ومن أهم الخطوات التي سيقوم بها برنامج تنمية القدرات البشرية تعميم مدارس رياض الأطفال، حيث إنها اللبنة الأولى في مسيرة التعليم الطويلة، لترسيخ القيم وتأهيل الأطفال للدخول إلى مختلف مراحل الدراسة واجتيازها من دون عقبات، كما أن رياض الأطفال ستؤسس لبناء جسور بين المدرسة والأسرة لتكون الأسرة مشاركة في العملية التعليمية من خلال المتابعة والمساهمة في الأنشطة التي يقيمها الصغار في فصولهم، وعلى مسارح المدارس التي ستفعل بالتعاون مع وزارة الثقافة.

ومن يقرأ أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية يجد أنه يعالج الكثير من أوجه القصور التي تواجه المملكة وغيرها من الدول العربية والإسلامية، ومن أهمها تعزيز قيم الوسطية والتسامح، وهذه القيمة بحد ذاتها بحاجة إلى الكثير من الجهد الذي لن يقوم به سوى التعليم الذي يركز على المناهج التي تفتح العقول، وتنمي لدى الطالب القدرة على النقد والتحليل، واستبعاد كل ما يدعو إلى التعصب والإنغلاق، مع الاعتزاز بدينه ولغته العربية.

ومن أهداف البرنامج أن يتمتع المواطن بحياة منتجة وصحية، وهذه مهمة مشتركة بين البيت والمدرسة مما يتطلب تعاوناً وثيقاً وتواصلاً مستمراً بين المدرسة والبيت وخصوصاً في المراحل الأولى من التعليم، ليتمتع الطفل بكل متطلبات الحياة السعيدة الناجحة، ومنها توعيته في وقت مبكر للمخاطر التي قد تهدد حياته الصحية والاجتماعية بسبب آفة المخدرات وأثرها المدمر على الصحة والحياة السعيدة المنتجة.

ومن أهم أهداف البرنامج إعداد المواطن للعمل في القطاع العام والخاص والقطاع الثالث غير الربحي، وذلك بإكسابه كل ما يحتاجه لشغل وظائف الحاضر والمستقبل وذلك بتحسين المخرجات لتتلاءم مع المتطلبات، مع التركيز على التدريب المهني لتوفير أيدٍ عاملة ماهرة، وهذا ما تمتاز به الدول التي نجحت في القضاء على البطالة وتميزت في جودة الصناعة وكمية الصادرات كاليابان وألمانيا اللتان ركزتا على التعليم المهني القائم على الممارسة والجودة والإتقان.

ومن أهداف البرنامج تعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، فالدول الغنية لم تكن غنية بمصادرها الطبيعية، بل بالأهم وهو قدرة شبابها على الابتكار وتكوين مؤسسات منتجة ولديها المرونة لمواكبة التغييرات المتسارعة في مجال التقنية وغيرها، وهذه تحتاج إلى دمج البحث العلمي والاختبار والتصنيع والتسويق وهو الذي سيحقق الاستدامة وقوة الاقتصاد.

ومن أهم مستهدفات البرنامج، إشراك أصحاب الخبرات من مختلف الأعمار في مرحلة البناء والاستفادة من خبراتهم، وذلك بالتركيز على التعليم المستمر مدى الحياة، وجعل المواطن مشاركاً ومنتجاً حتى سن متأخرة، وإشراكه في العمل التطوعي بتأهيله منذ البداية في البرامج التي يتلقاها في مراحل التعليم المختلفة كالكشافة وتفعيل المسرح وبقية الأنشطة المصاحبة.

إن من ينظر إلى الدول التي انتقلت إلى نادي الدول الغنية في القرن العشرين كسنغافورة وفنلندا وكوريا الجنوبية وتايوان، يجد أن العامل الأساس لهذا التقدم المذهل هو الاهتمام بالإنسان، من خلال تطوير التعليم وجعله موجهاً لبناء القدرات المختلفة لدى الطالب، وجعله منتجاً أينما توجه بعد إتمامه الدراسة.

ولينجح هذا البرنامج الطموح "برنامج تنمية القدرات البشرية" لا بد من البدء بالمعلم أولاً، فهو الذي سيتولى تنفيذ هذه الأهداف الكبيرة والمستهدفات المهمة، فالمعلم هو الأساس لنجاح مؤسسات التعليم في مهمتها ورسالتها السامية لتخريج جيل قوي ومنتج يلبي طموحات القيادة ومتطلبات بناء الوطن.