يزدادُ وضعنا الكويتي والعربي، على حد سواء، تعقيداً ينافس بعضه بعضا من حيث الصمت والثرثرة اللذان ينتابان الضمير البشري.. بل يتفوقان على الواقع المُر بلوغاً إلى تمزيق حبال الحُنجرة!

ونحن في هذا القرن تتبدل الأشياء بأشكالها.. تتغير الظروف والتحديات بطبيعتها، لكننا أمام واقع واحد أوحد.. واقع لم يتغير منذ قرون من حيث التدهور الثقافي والسياسي.

فساد سياسي.. فوضى تعم العالم العربي، حتى بات اليأس بين النفوس المرهقة سياسياً ظاهرة عابرة.. مرغمون عليها وليس مخيرين!

فكم من الصدمات وأهوالها اقتحمت المجتمعات وقلوب الشعوب الشابة حتى بدت جميعها عاجزة عن الحلول.. لأنه اصبح اجتراراً لا منفعة قبله ولا بعده! فالأنظمة تسير نحو تشييع الأرواح نحو المقبرة!

هذا الزمان المؤلم بشكله وتطوراته المفزعة دفعني إلى تقليب الذاكرة بحثاً عن بلسم يواسي الضمير المُرتاب والعقل الحائر.. فوجدت نفسي بين جزل قصيدة «الثرثرة» للأخ العزيز الدكتور خليفة الوقيان، التي وُلدت في عام 2015، فهي الملاذ الأمثل في الزمان الغابر.

وجه الدكتور خليفة الوقيان ضمن ديوانه بعنوان «تدروشوا.. تعمموا» سهام قصيدة «الثرثرة» إلى ما قصده وكابده حينذاك، لكنني أجد نفسي أمام التحدي ذاته الماثل بيننا حالياً.. لم يختلف إطلاقاً شكلاً ومضموناً عما قبل 2015 وفي 2021!

تروي قصيدة «الثرثرة» معاناة عربية وكويتية بشرية.. لخصها الشاعر خليفة الوقيان بالأبيات التالية:

الصمتُ يحمدُ في زمان الثرثرة

والصامتونَ عيونُ حق مُضْمَرة

والصامتون مسامعٌ وبصائرٌ

ومداركٌ وسيوف رَصدٍ مُشهرة

غابت شموسُ الساهرينَ الحالميـ

نَ الحاملينَ رؤى الليالي المُقْمرة

وعلا ضجيجُ السارقينَ العابثيـ

ن الراقصينَ على حبال الحنجرة

ذا صوتُ ساجعةٍ تُرجع في الضُحى

شدواً تَمَوسقَ في الحقول المُزْهِرة

أم ذا نحيبُ النائحاتِ النادبا

ت الصائحاتِ يَصُمُّ سمع المقبرة

نامت نواطيرُ الحِمى وتَفرّقت

شيعاً مصابيحُ العقولِ النيّرة

تتكسرُ الأقلامُ وهي عصيّةٌ

وتجفُّ من جَزعٍ دموعُ المِحْبَره

مناقشة أبيات القصيدة قد يكون لها أكثر من زاوية، لكنها بالنسبة لي تناقش زاوية واحدة وهي الإحباط من الحديث المتكرر والنصيحة الحائرة.. الباحثة عن صدى رسمي.. فقد صُمت الآذان وساد العمى السياسي حتى «تتكسر الأقلام من جَزعٍ دموعُ المِحْبَره».

يا ترى.. هل يعلم أصحاب الزعامة والفخامة في عالمنا العربي كيف للمِحْبَره أن تبكي؟!

ليت الإجابة تأتي رسمياً من أصحاب القرار والأمر، كسراً لقاعدة الصمت المطبق قبل أن نذهب إلى المِقبرة.. حيث تتساوى القبور تحت التراب ويتوقف نبض دموع الحياة!