بعد عقودٍ طويلة من الصمت القهري المفروض بسلطة التابو، وذات يومٍ مختلفٍ في إيقاعه ووقعه ارتفعت صرخة هذا العنوان في هاشتاغ انتشر على مواقع التواصل والسوشال ميديا بقوة دفع نسائية في الغالبية منها، متزامنًا مع انتشار فيديوات لنساءٍ يسردن في حسرة السنين معاناتهن مع «التعليق والابتزاز».

ورغم الأصوات التي يفيض بها الوجع والحسرة والألم، إلا أنني شخصيًا أقرأ الموضوع وأرقب الحالة بوصفها خروجًا على «التابو» ووصايا التحريم والتأثيم والتجريم، وذلك انتصار في حدّ ذاته تسجله النساء المعلقات بالخروج على القيود التي فرضتها جورًا سلطة مجتمعية متعالية واستكبارية لتظل حكاية المعلقات تحت وطأة القهر والابتزاز بكافة أشكاله التي تنتهك إنسانية الإنسان بإذلاله /‏ إذلالها بالأصح.

في ايديولوجية التحريم والتأثيم سنقع على حكايات ترويها فصول المأساة المفتوحة بلا نهاية والمستمرة بلا حدود، فمثل هذه الايدلوجية ومن خلال سطوة التحريم وسلطة التأثيم تسطو وتختطف علنًا قرار الحياة الشخصية وتستولي على سلطة الخيار وتحديد المسار بمعزل عن الشخص نفسه أو عن نفسها، تلك الموءودة تحت أنقاض ذهنية وايديولوجية كهانة التابو الأسطوري القادم من القرون الوسطى.

وما يميز هاشتاغ «معلقات ينتظرن الإنصاف» هو قدرة المرأة فيه على أن تُعلن عن وجودها باستقلال تام بل بخروج جسور على من ظل يُصدر الأوامر والنواهي لها حتى خرجت ذات يومٍ ليس ببعيد لتهتف ضد قانونٍ كان يمكن أن يُنصفها مبكرًا، ولكن أوامره وخوفها منه جعلها أداة في يده لتطعن بها نفسها وتمنع حقًا لها «الإنصاف» الذي تطالبه به اليوم.

وهربًا من دوي سقوط أسطورة ثقافته الاجتماعية التي كرسها وغرسها في الأواسط التي يسيطر عليها ويهيمن، اختبأ خلف شعارات ثورجية مستهلكة مهلهلة بائرة وراح يُصدرها كل يوم من الخارج، بأمل أن يجرهم بعيدًا ويدفع بهم عن مناقشة وطرح قضاياهم الاجتماعية وهمومهم التي أثقل وكبَّل حياتهم بها طوال عقودٍ كان فيها الآمر الناهي، وكانت المرأة في محيط سيطرته تدفع الثمن مضاعفًا.

والمفارقة التي لا تُحتمل أن صاحب ايديولوجية التحريم والتأثيم ووصايا التحريم المحفوظة في لوائح خزانته العتيقة لم يدفع يومًا ثمنًا ولو بسيطًا كما دفعه من فرض عليهم لوائح «التابو» الذي اخترعه في كل مناسبة يهرب فيها من المواجهة تاركًا الآخرين لمواجهة مصيرٍ أخذهم وجرهم إليه.

فسيرة الهروب والاختباء بعيدًا وراء البحار جزء من سيرته، وإذا لاحظتم كما لاحظنا استغراقه لهثًا في الشعارات السياسية بصيغة التحريض والتعبئة والتجييش التي لا يفهم سواها ولا يعرف غيرها، فذلك كما أشرنا كي يراوغ وكي يسحب الاهتمام من صرخات موجهةٍ له بالأساس أو على الأقل ينتظرون منه كلمة إنصاف أو موقفًا يطالب بإنصافهن أو يقف معهن بما له من سطوة وتأثير وسلطة على المجتمع الذكوري في محيطٍ يخضع لتابوهاته وتوجيهاته وأوامره.

لكنه كبيرهم الذي لقنهم أصول الغواية وفنون المكر وغاب عنه أن مكر التاريخ أكبر، فهو لم يقرأ الفيلسوف هيغل، لأن هيغل مجرم في قائمته.