تأسست وكالة الاستخبارات المركزية عام 1947 للقيام بأعمال التجسس ومقاومته، وتنسب لها سلسلة طويلة من العمليات السياسية والعسكرية في العديد من دول العالم. كما كان لها دور في انقلابات عسكرية وتصفيات فردية وجماعية. كما عبثت بالتنظيمات النقابية والثقافية والطلابية الأميركية وغيرها، وتدخلت في أنشطتها، وفي حركة النقابات، إضافة إلى تمويلها للعديد من دور النشر لنشر ما يؤيد سياسات أميركا، واستخدام شخصيات ذات اطلاع وكفاءة لتسويق أفكارها ومعتقداتها.

جاء تأسيس الوكالة بعد سنتين من حل «مكتب الخدمات الإستراتيجية» OSS، الذي تأسس خلال الحرب العالمية الثانية، وهو المكتب الذي قام عام 1944 بتوزيع كتيب سري، ليكون دليلاً لبعض مواطني دول المحور، من ألمان ويابانيين وإيطاليين، وبالذات من المتعاطفين مع أميركا وحلفائها، للقيام بعمليات تخريب بسيطة في دولهم.

رفعت السرية عن هذا الكتيب عام 2008، وهو متاح حالياً على موقع وكالة المخابرات.

هدف الكتيب إعطاء إرشادات لتعلم كيفية المساعدة في إضعاف قدرات أعداء أميركا عن طريق تقليل إنتاج المصانع والمكاتب وخطوط النقل، قدر الإمكان، ومن هذه التعليمات، التي يبدو بعضها قديماً، وبعضها الآخر لا يزال وثيق الصلة بالحاضر، وتمثلان معاً تذكيراً بمدى سهولة تقويض إنتاجية أي دولة، وتخريب نظامها، تحطيم الإنتاجية من خلال الإصرار على فعل كل شيء عن طريق قنوات محددة، وعدم السماح باتخاذ الطرق المختصرة في عملية اتخاذ القرارات. والتحدث بشكل مطول عند إلقاء الخطب والتكرار، وسرد الحكايات الطويلة ورواية التجارب الشخصية. مع الإصرار، قدر الإمكان، على إحالة القضايا للجان لمزيد من الدراسة، وأن تكون اللجان كبيرة العدد ليزيد ضياع الوقت، مع الإصرار على طرح القضايا غير ذات الصلة بشكل متكرر، والرجوع إلى المسائل التي تم البت فيها، ومحاولة إعادة فتحها ومناقشة مدى صوابها، مع الدعوة إلى الحذر والعقلانية، وحث الزملاء على أن يكونوا «منطقيين» وتجنّب التسرّع الذي قد يؤدي إلى الإحراج مع الرؤساء لاحقاً. وضرورة الحرص على إعطاء الوظائف المهمة لغير الأكفاء، ومنح العاملين غير الأكفاء ترقيات غير مستحقة، وعقد المؤتمرات عندما يكون هناك عمل أكثر أهمية يتعين القيام به، مع مضاعفة الإجراءات وطلب توقيع أكبر عدد من الموقعين للموافقة عليها!

وأخيراً (وهذه من عندي)، تشجيع المسؤول على الاستعانة بمن ثبت تواضع أدائهم في كل المناصب التي سبق أن تولوها، والذين انتهت صلاحياتهم منذ سنوات، وتعيينهم في أكثر المناصب حساسية.

ألغيت هذه التعليمات عام 1945، ولكن يبدو أن نسخاً من الكتيب تسربت إلى غالبية موظفي الحكومة، حيث نراهم يتبعون ما جاء فيه، مشكلين طابوراً خامساً لم يكلفهم أحد القيام بمهامه، بل يقومون بذلك، تطوعاً أو ربما تقرباً إلى الله، لتخريب وطنهم، بوعي أو بغيره، فمتى تعي حكومتنا هذا الخطر وتقوم بتطهير وتطوير الإدارة الحكومية، بدءاً من الأعلى؟!