كسائر الشباب في كل مكان، أنا متأكدة أن الطلاب في جامعة بوكوني ومعهم زملاؤهم في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في إيطاليا، متحمسون لعودتهم إلى التعلم وجها لوجه، مفعمون بأحاسيس متجددة من الطاقة والتفاؤل. ويقودني هذا إلى الأنباء الطيبة عن الاقتصاد العالمي. على مدى الأشهر العشرة الماضية، تمكنت اللقاحات من المساعدة على إنقاذ ملايين الأرواح. وهذا الأمر، إلى جانب الدعم الاستثنائي المقدم من السياسات، سمح لنا بالمضي قدما، لنتحرك من حالة الأزمة إلى التعافي. وليس هذا إلا بداية القصة.
وحقيقة نحن نواجه تعافيا عالميا لا يزال "متعثرا" بفعل الجائحة وتأثيرها. ولسنا قادرين على التحرك قدما بشكل صحيح – كأننا نسير وفي أحذيتنا حصى!
وأكثر العقبات المباشرة هي "الفجوة الكبيرة في التطعيم" – فهناك عدد كبير جدا من الدول لا يحصل سوى على قدر ضئيل من اللقاحات، الأمر الذي ترك عددا كبيرا جدا من الناس دون حماية من فيروس كورونا.
وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوة عميقة في قدرة الدول على الاستجابة، في قدرتها على دعم التعافي، وقدرتها على الاستثمار من أجل المستقبل.
لكننا يمكن أن نضمن تحقيق تعاف أقوى في كل مكان وتشكيل عالم أفضل بعد الجائحة للجميع. ولن يتسنى لنا أن نفعل ذلك إلا بالعمل معا لتخطي هذه الفجوات. وهذا ما ستركز عليه اجتماعاتنا السنوية.
ـ الآفاق العالمية: التباعد والتضخم والدين، ومن هنا فلننظر إلى المشهد الاقتصادي.
في تموز (يوليو) الماضي، كنا نتوقع بلوغ النمو العالمي 6 في المائة في 2021. وكما سترون في تقريرنا المحدث عن آفاق الاقتصاد العالمي أخيرا، نحن الآن نتوقع تراجع النمو بشكل طفيف هذا العام.
ولكن المخاطر والعقبات أمام تحقيق تعاف عالمي متوازن ازدادت وضوحا: فالحصى في أحذيتنا أصبح أشد إيلاما. وسأركز على ثلاث منها.
أولها التباعد في النمو الاقتصادي، فتظل الولايات المتحدة والصين محركين حيويين للنمو حتى مع تباطؤ زخمهما في الوقت الراهن. ولا يزال عدد قليل من الاقتصادات المتقدمة والصاعدة يكتسب زخما، منها إيطاليا وأوروبا بوجه أعم.
وعلى العكس من ذلك، لا تزال آفاق النمو تتفاقم في كثير من الدول الأخرى، يعوقها ضعف إمكانات الحصول على اللقاحات والقيود على رد فعل السياسات، ولا سيما في بعض الدول منخفضة الدخل. وهذا التباعد في المصائر الاقتصادية في سبيله ليصبح أطول أمدا.
فتشير التوقعات إلى أن الناتج الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة سيعود إلى الاتجاهات العامة التي كانت سائدة قبل الجائحة بحلول 2022. ولكن معظم الدول الصاعدة والنامية ستحتاج إلى أعوام أطول بكثير لكي تتعافى.
وهذا التعافي المتأخر سيزيد من مصاعب تلافي حدوث ندوب اقتصادية غائرة طويلة الأمد – بما في ذلك من جراء فقدان الوظائف الذي يلحق أشد الضرر بالشباب والنساء والعاملين في القطاعات غير الرسمية.
وثاني "حصاة" في حذائنا هي التضخم. فقد ارتفعت معدلات التضخم الكلي بسرعة في عدد من الدول – ولكن مرة أخرى، بعض الدول تأثرت بقدر أكبر من غيرها.
وبينما نحن بالفعل نتوقع انحسار ضغوط الأسعار في معظم الدول خلال 2022، تشير التوقعات إلى استمرار هذه الضغوط السعرية في بعض الاقتصادات الصاعدة والنامية.
وأحد بواعث القلق البالغ المتعلقة بالتضخم هو ارتفاع أسعار الأغذية العالمية – بما يزيد على 30 في المائة على مدار العام الماضي. وهذا الأمر، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة، يفرض مزيدا من الضغوط على الأسر الأفقر.
وبوجه أعم، لا تزال آفاق التضخم محفوفة بقدر كبير من عدم اليقين. وارتفاع توقعات التضخم على نحو أكثر استدامة يمكن أن يسبب ارتفاعا سريعا في أسعار الفائدة، وتشديدا حادا للأوضاع المالية. وسيفرض ذلك تحديا جسيما أمام الاقتصادات الصاعدة والنامية ذات مستويات الديون المرتفعة.
ويقودني الحديث هنا إلى تناول مشكلة "الحصاة" الثالثة: الدين. فتشير تقديراتنا إلى ارتفاع الدين العام العالمي وبلوغه نحو 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويرجع هذا الارتفاع إلى حد كبير للتحرك الضروري على مستوى المالية العامة في مواجهة الأزمة وكذلك إلى فداحة خسائر الناتج والإيرادات بسبب الجائحة. ونرى هنا فجوة عميقة أخرى، حيث تأثرت بعض الدول أكثر من غيرها – ولا سيما في العالم النامي... يتبع.