يقلقني جدا منحى «الحوار الوطني» حين تكون مصادر الـتورم السياسي بين الحكومة والمجلس هي بين أطراف الاستئثار بالحوار، بينما تغيب أصوات قوى المجتمع المدني، التي هي أساس قواعد التغيير الانتخابية، والإصلاح المُغيبة، حكومياً وبرلمانياً، من البعض وليس الكل.

غابت عن التمثيل في «الحوار الوطني» مؤسسات المجتمع المدني وشتى أطياف الشعب الكويتي والفئات العمرية المختلفة، لاسيما شريحة الشباب، وهي العنصر الأساسي في إحداث التغيير بالانتخابات الأخيرة.

إن الشراكة المجتمعية بالحوار الوطني تستوجب العدالة في بنية التمثيل فيه، وهو ما غاب عن تركيبة الأطراف المشاركة، فما نال الحوار من إفراط إعلامي رسمي في إبراز موقف المؤيدين له وإقصاء المتحفظين على عمله تبرهن على غياب الشراكة المجتمعية.

غاب دور القوى المدنية عن الحوار وهيمنت عليه غايات محددة منذ البداية، وهو ما ينذر بانحرافات دستورية محتملة وتصدع سياسي لاحق، خصوصا في ظل تعتيم إعلامي وتكتم لا يدعم حوارا وطنيا حقيقيا، بغية تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي المنشود وطنياً.

ثمة قصور بيّن في المسار الإعلامي والتنفيذي وطبيعة آلية العمل للحوار الوطني الذي شق طريقه أخيراً باتجاهات سياسية مبهمة بين طرفي الوضع المتأزم، وهما السلطتان التنفيذية والتشريعية.

إن القصور العملي للجانبين التمهيدي والتنفيذي للحوار يتحمل مسؤوليته القائمون عليه من مستشارين، ورئيسا الحكومة ومجلس الأمة بوجه خاص، اللذان يبدو أنهما تجاوزا أصل المعضلة ومصدرها، وتحديداً في إدارة رئيسي الحكومة ومجلس الأمة لكل المشكلات والتحديات.

أستحضر هنا جزءاً مما نشرته بعنوان «بعد فوات الأوان»:

برهنت الحكومة على فشلها بالتعامل مع نواب الغالبية النيابية، التي خرجت من رحم إرادة التغيير الشعبي في انتخابات 5 ديسمبر 2020، تأكيداً لإرادة الأمة في الانتخاب والمحاسبة وإقصاء عدد كبير من نواب حكومة الظل.

فبعد فوات الأوان وعدم جدوى تسديد النصيحة لرئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد، لم يعد مفيداً التكرار في الجرد السياسي، فالاجترار بهذا الشأن يضعنا في ناصية الإدارة الحكومية، ويجعلنا أسرى لنهج سياسي مهترئ منذ زمن.

لذا أخشى أن يكون الحوار الوطني هدفه الاستئثار وليس الشراكة، فالغالبية النيابية وإرادة التغيير الشعبي، خصوصا التي تجاوزت الطريق الوعر انتخابياً وبرهنت على الإقصاء والتغيير في تركيبة مجلس الأمة الحالي، ليست ممثلة في الحوار نهائياً!

ومن يصور أن الانحراف البرلماني في بلوغ كسر العظم الحكومي، فهؤلاء جزء من أصل الأزمة بين الحكومة ومجلس الأمة منذ البداية، وليسوا إلا من المارقين سياسياً واجتماعياً في الكويت.