قد تكون الساحة السورية مرشحة لانفجار عسكري في أية لحظة، فالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، كان صرّح قبل أيام قليلة بأن صبره قد نفد، ولم يعد بإمكان تركيا التحمل من جراء تواجد قوات الحماية الكردية في مناطق في شمال سوريا.

ويبدو الموقف التركي غريباً بعض الشيء، باعتبار أنه لا توجد مستجدات داهمة تضغط في اتجاه تحضير تركيا لعملية عسكرية، محدودة أو واسعة. وإطلاق بعض الصواريخ، أو القذائف، من وقت لآخر من جانب الأكراد أو القوات السورية بات أمراً روتينياً، وإن بوتيرة متباعدة.

وإذا كانت جبهة إدلب مرشحة للانفجار بين الجيش السوري مدعوماً بالطائرات الروسية، والجيش التركي الداعم للمسلحين هناك، فإن الأنظار تحولت فجأة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات كردية، مثل تل رفعت ومنبج في غربي الفرات، وعين عيسى والحسكة أو دير الزور في شرقي الفرات.

وتركز وسائل الإعلام التركية، وغيرها، على احتمال حدوث تصعيد تركي على منطقة تل رفعت من أجل ربطها بمناطق درع الفرات وعفرين وإدلب لتصبح كتلة جغرافية متماسكة، وتوفر مزيداً من الضغوط على شمال مدينة حلب. كما أن القوات التركية تضع نصب عينيها منطقة منبج حتى لا يبقى كردي واحد غربي الفرات. أيضاً، فإن منطقة عين عيسى القريبة في شرقي الفرات هي أحد الأهداف التركية، إضافة لمناطق أخرى.

والتوتر الذي بدأ يظهر منذ أكثر من شهر منطلقه الأساسي الضغط السوري – الروسي على تركيا لتنفذ اتفاق 5 مارس/ آذار 2020 الذي يتضمن فتح طريق «إم 4» بين حلب واللاذقية والحيوي للاقتصاد السوري، لكن تركيا لم تف بتعهداتها وبقي الطريق مغلقاً. وكانت الأنظار متجهة للقاء سوتشي بين الرئيسين التركي أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، لكن على ما يبدو، فإن اللقاء انتهى إلى عدم الاتفاق على فتح الطريق، وعدم موافقة بوتين على عملية عسكرية تركية في تل رفعت.

اليوم تعود تركيا لتسخين الجبهة تدفعها عوامل متعددة. منها أن أردوغان قد يكون في طريقه للموافقة على فتح طريق «إم 4»، وإبعاد المسلحين عنه، على أن ينال مكافأة على ذلك احتلال إما تل رفعت، وإما منبج، وإما عين عيسى، وإما عملية في الشرق البعيد للفرات، فلا يظهر انسحابه من جانبي طريق «إم 4» والعديد من نقاط تمركز الجيش التركي على أنه تراجع.

لكن أيضاً، فإن ظروفاً متعددة تضغط على أردوغان ليقوم بعملية عسكرية أينما كان من أجل مواجهة هذه الضغوط.

ويأتي الوضع الاقتصادي واحداً من هذه العوامل، حيث تتراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار بصورة دراماتيكية، بحيث تجاوز سعر صرف الدولار الواحد أكثر من تسع ليرات، في طريقه إلى العشر ليرات، وما يعنيه ذلك من تدهور للقيمة الشرائية لمال الأتراك.

كذلك، فإن استطلاعات الرأي تعكس تراجعات كبيرة لحزب «العدالة والتنمية»، وشريكه «حزب الحركة القومية»، بحيث تنزل النسبة التي قد يحصل عليها أردوغان إلى أقل من ثلاثين في المئة، ولا يتجاوز مجموع أصوات حزبه والحركة القومية ال35 في المئة. ولذلك، فإن عملية عسكرية، في تل رفعت أو منبج أو عين عيسى، سوف تشكل حاجة ماسة لأردوغان، وتعيد تعويمه وحزبه، فيخرج على الرأي العام بمظهر البطل الوطني كما حصل في ليبيا، وفي أذربيجان.

لكن التساؤل الذي يبرز في خضم كل هذه المعمعة، هو حول الموقف الروسي، وما إذا كان يوافق على مثل هذه العملية التركية التي لا يمكن أن تحصل من دون موافقة روسية، حيث إن المجال الجوي في تل رفعت ومنبج مثلاً، هو تحت السيطرة الحصرية لروسيا، ولا يمكن لعملية عسكرية تركية أن تتم براً فقط، بل تحتاج حتماً إلى تغطية من الطيران التركي. وفي انتظار ما ستكون عليه حسابات الأفرقاء، فإن كل الاحتمالات واردة.