تميز منتدى فالداي - سوتشي السنوي 18 هذا العام بالنقاش الطويل الذي أجراه ممثلون عن 45 دولة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من أهمية المداخلات الأخرى التي أدلى بها المشاركون، وتناولت مواضيع دولية مهمة. وبوتين الذي واكب أعمال المنتدى في أيامه الأربعة منذ الافتتاح في 18 أكتوبر؛ تقصّد إطلاق مجموعة كبيرة من المواقف، وبعث رسائل مهمة في كل الاتجاهات غلبت عليها سمة الاعتدال، كما تناول قضايا فكرية وتاريخية، ومنها خصوصاً دفاعه الشرس عن الاتحاد السوفييتي السابق، رافضاً تحميله مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقال: «إن الرأسمالية المتفلِتة فشلت في حل المعضلات التي يواجهها العالم، ولا بد من الاتفاق على نظام اقتصادي دولي جديد».

قال بوتين أمام المؤتمرين: «لا يوجد خلاف عقائدي مع الغرب، خصوصاً حول الديمقراطية والحريات العامة، لكنهم في كل عام يبتدعون أوهاماً جديدة تزيد من تعقيد الموقف، ومع هذه الأوهام تحوّل الكفاح من أجل المساواة إلى عبث ودوغمائية»، ورأى أن غالبية الغرب يطالب أحياناً بالشيء ويُطبق نقيضه، والمثال على ذلك – كما قال بوتين - القيود التي حاصرت فرع وكالة أنباء روسيا اليوم الناطقة باللغة الألمانية وحجبها عن شبكة اليوتيوب، وهو اعتداء على حرية التعبير، على الرغم من أن ألمانيا قالت إن الحجب صادر عن السلطات الأمريكية، وليس لسلطات برلين أي علاقة بالموضوع.

ولم ينس الرئيس الروسي الإشادة بقرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، على الرغم من أن نُخباً روسية اعتبرت القرار بمثابة الفخ الأمني والسياسي الموجه ضد روسيا والصين لارباكهما في وسط آسيا. وإشارة بوتين إلى أهمية وضرورة التنسيق بين موسكو وواشنطن؛ كانت رسالة إيجابية واضحة للرئيس الأمريكي جو بايدن، وأكد المعلومات المتداولة حول «تنظيم الخلافات بين الدولتين الكبيرتين في الشرق الأوسط على وجه التحديد، وقد شمل تنظيم الخلاف تفاهم واضح في بعض جوانب المعضلة السورية، وتكليف الملك الأردني برعاية عملية إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، وتزويد البلد المتهاوي بكمية من الطاقة الكهربائية المنتجة في الأردن»، وهذا الدور الذي أعطي للملك عبدالله لم يكن بدافع الصداقة الشخصية التي تربطه ببوتين كما قيل؛ بل جاء بعد زيارة قام بها الملك الأردني إلى واشنطن في 21 يوليو/تموز الماضي، والتقى فيها الرئيس بايدن.

وتحدث بوتين عن التعددية التي أدت إلى تراجع قدرة الغرب على التحكم بمفاصل السياسة الدولية، وأشار بوضوح إلى تبني بلاده لمقاربات جديدة تستند إلى تحالفات دولية عملية تعتمد البرغماتية، أكثر مما تستند إلى العقائد السياسية، وهو يرى أن التفاهم مع واشنطن مفيد حول ملفات الأمن والطاقة ومكافحة الإرهاب على الرغم من كونهما على طرفي نقيض، بينما الخلاف مع الصين يمكن أن يحصل على قضايا تجارية وتكنولوجية وعلى ملفات إقليمية على الرغم من كون بكين صديقة لموسكو. وهذا النموذج ينطبق على العلاقة مع الأوروبيين؛ حيث التوتر مع الاتحاد سيد الموقف، بينما علاقات روسيا مع عدد كبير من الدول الأوروبية على خير ما يرام.

وكانت إشارات بوتين واضحة في رفض اقتراح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإلغاء حق النقض (الفيتو) للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على الرغم من اعتراف بوتين بضرورة إصلاح الأمم المتحدة، كما اعترف بوجود بعض الخلاف بين موقف الدولتين في سوريا، لكن بوتين أكد في الوقت ذاته «أن العلاقات مع تركيا لها أهمية استراتيجية في المجال التجاري وفي التعاون العسكري الذي حصل مؤخراً». والمقاربة ذاتها يعتمدها بوتين مع إيران المنزعجة من التفاهم الأخير بين موسكو وواشنطن، وبين موسكو وتل أبيب. فهو يُشيد بالتعاون مع طهران في سوريا، بينما لا يعطي أهمية كبيرة للعلاقات التجارية والأمنية بين الدولتين كما هو الحال مع تركيا، وروسيا تدعو إيران إلى ضرورة الالتزام باتفاق عام 2015 حول ملفها النووي، مع التأكيد ضرورة تطويره عبر مفاوضات جديدة وفقاً لما أعلنه في مكالمته الهاتفية الأخيرة مع رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسن. وقد تكون إشارة بوتين إلى التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 تحمل شيئاً من التحذير حول ما يجري في لبنان، لأن لروسيا علاقات مع كافة الأطراف اللبنانية كما قال، ولا ترغب في حدوث تحولات في هذا البلد إلا من خلال الحوار.