مع ارتفاع الديون السيادية المستحقة على أشد الدول فقرا إلى مستويات مرتفعة بشكل خطير، ثبت عدم كفاية النظم العالمية والوطنية لتتبع الديون. ووفقا لتقرير جديد للبنك الدولي، فإن هذه الفجوات تزيد من صعوبة تقييم القدرة على تحمل أعباء الديون، وعلى الدول المفرطة في الاستدانة إعادة هيكلة ما عليها من ديون على وجه السرعة وتحقيق انتعاش اقتصادي دائم. ويمثل التقرير المعنون شفافية الديون في الدول النامية أول تقييم شامل للنظم العالمية والوطنية لرصد الديون السيادية. ويخلص التقرير إلى أن مراقبة الديون اليوم تعتمد على مجموعة متنوعة من قواعد البيانات ذات المعايير والتعاريف المختلفة ودرجات مختلفة من الموثوقية، تجمعها معا منظمات مختلفة. وتؤدي أوجه عدم الاتساق هذه إلى تفاوتات كبيرة في إجمالي الديون المتاح للجمهور في الدول منخفضة الدخل، أي: ما يعادل نحو 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لبلد ما، في بعض الحالات.

وستخرج أشد الدول فقرا من جائحة كورونا التي تحملت أكبر أعباء للديون في العقود القليلة الماضية، لكن محدودية شفافية الديون ستؤخر التسوية الحرجة للديون وإعادة هيكلتها.. ويتطلب تحسين شفافية الديون إطارا قانونيا سليما لإدارة الدين العام، وأنظمة متكاملة لتسجيل الديون وإدارتها، وإدخال تحسينات على رصد الديون على الصعيد العالمي. وعلى المؤسسات المالية الدولية والمدينين والدائنين وغيرهم من أصحاب المصلحة، مثل وكالات التصنيف الائتماني والمجتمع المدني، جميعا دور رئيس في تعزيز شفافية الديون.

ويخلص التقرير إلى أن 40 في المائة من الدول منخفضة الدخل لم تنشر أي بيانات عن ديونها السيادية منذ أكثر من عامين، وأن كثيرا من الدول التي تنشرها تميل إلى قصر المعلومات على الديون المستحقة على الحكومة المركزية. ويعتمد عديد من الدول النامية بصورة متزايدة على القروض المدعومة بالموارد، التي تحصل فيها الحكومات على التمويل عن طريق طرح تدفقات الإيرادات المستقبلية كضمان. وشكلت القروض المدعومة بالموارد نحو 10 في المائة من القروض الجديدة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بين عامي 2004 و2018. ويستحق على أكثر من 15 بلدا مثل هذه الديون، لكن لا تقدم أي منها تفاصيل عن ترتيبات الضمانات العينية.

وتستخدم البنوك المركزية أيضا أدوات السياسة النقدية، مثل عمليات إعادة الشراء والمبادلات، لتسهيل اقتراض الحكومة من الدائنين الأجانب. لكن هذا الاقتراض ليس محددا بوضوح في القوائم المالية للبنوك المركزية ولا يتم تسجيله في قواعد بيانات المؤسسات المالية الدولية. كما تتسم أسواق الدين المحلية في أشد الدول فقرا بالغموض، إذ يخلص التقرير إلى أن 41 في المائة فقط من هذه الدول تستخدم المزادات القائمة على الأسواق باعتبارها القناة الرئيسة لإصدار الديون المحلية. وتلك التي تستخدم المزادات لا تفصح إلا عن معلومات متقطعة للمستثمرين.

وترى مجموعة البنك الدولي منذ مدة طويلة أن شفافية الديون خطوة بالغة الأهمية في عملية التنمية في الدول المعنية، لأن الشفافية تسهل الاستثمارات الجديدة وتزيد من مستوى المساءلة وتساعد على الحد من الفساد. ولا يزال النظام العالمي للإبلاغ عن ديون الدول المدينة هو المصدر الوحيد الأكثر أهمية للمعلومات التي يمكن التحقق منها بشأن الديون الخارجية على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. ويتعين على جميع الدول التي تقترض من البنك الدولي - أكثر من 100 بلد - الإبلاغ عن تفاصيل الديون الخارجية المستحقة على أي من هيئاتها عامة. كما أن سياسة البنك الدولي لتمويل التنمية المستدامة تحفز الدول المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية على تنفيذ إجراءات ملموسة للأداء والسياسات لتعزيز شفافية الديون، واستدامة المالية العامة، وإدارة الديون.

ولن يكون تحقيق المراقبة الفعالة للديون بالأمر الهين، لكن يمكن القيام بذلك. ويضع التقرير قائمة تفصيلية بالتوصيات التي تم ترتيبها حسب درجة الأهمية والإلحاح. وأبرز هذه التوصيات نشر إحصاءات الدين العام والمضمون من الحكومة سنويا، والتشجيع على تنسيق جمع البيانات والإبلاغ عنها، ووضع نظم متكاملة لتسجيل الديون وإدارتها اتساقا مع المعايير الدولية.