العالم يتخلص تدريجيا من أصوله القديمة التي تنتج الكربون وسينتقل إلى تقنيات جديدة غير ملوثة وبأساليب مبتكرة للحياة والعيش والعمل، وفي الوقت نفسه تقوم حكومات العالم والمؤسسات البحثية بدعم الابتكار والأبحاث وتعزيز الممارسات التي تحقق أهداف العالم الجديدة وحماية الكوكب من الدهور وتعزيز أي مسارات تحقق التوافق ما بين الإنسان والآلة والبيئة عبر أنظمة تعمل بطرق مستدامة، ما سبق هو ما يظهر للناس حاليا لكن كيف استفادت السعودية من ذلك؟
النظرة الاستباقية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان ظهرت في وقت مبكر وقبل أزمة كوفيد - 19 من خلال إطلاق الرؤية السعودية عام 2016 التي كانت نتائجها الأولية حجر الزاوية في تخطي أزمة الركود الوبائي من خلال حكومته الرشيقة التي تفوقت على أوروبا وأمريكا بأربعة أيام من حيث الإجراءات الاحترازية والاحتوائية على المستويين الاقتصادي والصحي ورغم تلك النتائج كانت نظرته أبعد من ذلك، فما تلك النظرة التي غيرت السعودية؟
لكل ثورة اقتصادية نتائج ودول فائزة، فالدول التي استفادت من الثورتين الصناعية الأولى والثانية، نجحت في الصناعات الثقيلة والتشابك الاقتصادي فيما بينها وبدوره حقق تنوعا اقتصاديا مثاليا، إضافة إلى تنامي معدلات دخل مواطني تلك الدول، والدول الفائزة في تلك الحقبة هي أمريكا وألمانيا وبريطانيا واليابان وكندا وفرنسا وإيطاليا والاتحاد السوفياتي سابقا، أما الدول التي التحقت بالثورة الصناعية الثالثة، أي: فترة ثورة الرقمنة وصناعة الرقائق الإلكترونية والشبكات والاتصالات والعولمة الاقتصادية واقتصاد الخدمات وعلى رأس تلك الدول الصين وكوريا الجنوبية وتايوان والبرازيل وغيرها وبسبب وجود استراتيجيات وطنية للاندماج في الثورة الاصطناعية الثالثة وتوطين شركات دولية وتسهيل مرور النقد الأجنبي للاستثمار المباشر لذا نجحوا في الارتباط.
وعلى غرار ما سبق اقتصاديا أدرك الأمير محمد بن سلمان مبكرا أن الاندماج في الثورة الاصطناعية الرابعة أسرع طريق للنهوض بالاقتصاد والإنسان السعوديين وتجاوز مشكلتي التنوع الاقتصادي والاعتماد على النفط كمورد أساسي للبلاد، لذا أطلق برنامجا تخطيطيا وطنيا شاملا مكونا من مرتكزات اقتصادية وتشريعية واجتماعية، شملت ترقية الصناعات عبر المحتوى المحلي وتطوير اقتصاد الخدمات والتقنية والبيانات وإعادة هندسة الأنظمة والتشريعات وإزاحة بؤر الفساد، للحصول على الفوائد الهائلة من الثورة الاصطناعية الرابعة ولا سيما أن اقتصادنا يمتلك قوة مالية وضعته بين الكبار في مجموعة العشرين.
أخيرا: السعودية تزخر بإمكانات هائلة وما مشاريعنا الكبرى كمدينة نيوم و"ذا لاين" وجميع الإصلاحات الاقتصادية الأخرى إلا أدوات ارتباط بالثورة الاصطناعية الرابعة غير أن نظرة ولي العهد أبعد من الثروة الاصطناعية الرابعة، -بل الارتباط بالثورة الاصطناعية الخامسة industry 5.0 التي تركز على التواصل الذكي والتفاعل بين الإنسان والآلة والعمل معا، إضافة إلى الاستدامة وحماية البيئة والمرونة والتحول من التركيز على المساهمين إلى التركيز على أصحاب المصلحة وتظهر بوضوح في مشروع التجمع الصناعي العائم "أوكساچون".