يعيش العالم حالتي تضخم ونمو اقتصادي هش بشكل مزدوج نتيجة لما حدث من ركود وبائي نال جميع الاقتصادات العالمية بلا استثناء، تدخلت حكومات العالم القوية اقتصاديا من خلال أدواتها النقدية، مثل التيسير الكمي، أما بقية دول العالم فتحركت بالأدوات المالية الاحتوائية من خلال تقديم الدعم المالي المباشر وغير المباشر للشركات وقطاع الأسر، إضافة إلى الإعفاء وتأجيل الرسوم والتكاليف الضريبية، وبدرجات وأساليب متنوعة، وفق هيكل كل دولة في النظامين الضريبي والجمركي، إضافة إلى السياسات المالية العامة التقليدية.
تولت السياسات المالية قيادة الأزمة ومعالجة النمو الاقتصادي، أما السياسات الاقتصادية فتراجعت للخلف، وما بين النظرة المالية والاقتصادية نرى تباينا في أداء الدول وأساليب معالجة الركود الوبائي، - وعلى أثر الأزمة تداعى بعض القطاعات مثل القطاع اللوجيستي وشكلت أزمة لم تكن متوقعة رغم عودة القطاع اللوجيستي إلى التماسك أخيرا، ولا سيما بعد تحسن زخم الطلبات العالقة، نحو الانخفاض، وفي الوقت نفسه نشأت طلبات جديدة بعد فتح الاقتصادات، ونتيجة للمشكلات اللوجيستية تغيرت خطط كميات الإنتاج في الشركات المرتبطة بالقطاعات المتأثرة؛ كالإلكترونيات والسلع الاستهلاكية المعمرة بسبب ضعف تدفق السلع الوسيطة ونصف المصنعة، ومع الأسف تأثرت الأسعار بشكل مباشر، كما أن السلع المستخدمة ارتفعت أسعارها في الأسواق الداخلية وشكلت نموذجا ينافس السلع الجديدة سعريا.
آثار السياسات المالية في الاقتصادات ومشكلات سلاسل الإمداد وتوقف الشركات المنتجة للمواد الوسيطة بين القطاعات المختلفة، أدت إلى نشوء تضخم بسلوك لا يوجد له مثيل تاريخيا من حيث المسببات والنتائج وظهرت لنا في صورة ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وارتفاع في قيمة الأصول المالية وغير المالية، إلى مستويات عالية ولا يوجد لها دعم اقتصادي حقيقي.
وتبعا لما حدث خلال 2020، تغيرت نماذج العمل وتسارعت وتيرة تبني تطبيقات الثورة الاصطناعية الرابعة بدرجات متفاوتة بين الدول غير أن العالم يواجه حاليا تباينا في فجوة التكنولوجيا بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة؛ ما يعيق تبني منافع تطبيقات الثورة الاصطناعية الرابعة الهائلة ودفع النمو للأمام.
أخيرا: السيناريو التقليدي الذي تفكر فيه البنوك المركزية لمعالجة آثار السياسات المالية رفع سعر الفائدة إلا أن هذا الإجراء يتعارض مع هشاشة النمو الاقتصادي أصلا وفي الحين ذاته، أي تجاهل لأسعار المستهلكين العامة والتضخم ستكون نتائجه قاسية على الجميع سواء للوفاء بالمتطلبات الأساسية للمعيشة أو التأثير في موقف الثروات والمدخرات.
رغم صعوبة وتعقيد الآثار الناتجة من السياسات المالية المستخدمة خلال أزمة كوفيد - 19 إلا أن الاقتصاد العالمي لم يتعاف تماما من أزماته السابقة، لذا أرى أن يتولى الاقتصاديون القيادة بدلا من الماليين وتوجيه التيار النقدي إلى الاقتصاد الحقيقي بدلا من الأسواق المالية وتعقب الآثار على أساس سلعي واجتماعي حتى تختفي جذور الأزمة الصحية مع ضرورة ابتكار أدوات اقتصادية جديدة وغير نقدية.