ترك مؤتمر جلاسكو المناخي منطقة الشرق الأوسط من دون التطرق إلى أزماتها المائية والجفاف والتصحر المتصاعد. فيما الأزمات السياسية والحروب التي تفتك بالمنطقة تمنع أية حلول حوارية لوضع حد للأزمات الاقتصادية والمائية؛ فما بالك بالتغير المناخي الذي زاد من حدة العطش فيها، وبات يهدد باندلاع اضطرابات بين دول المنطقة من جهة وبين السلطات القائمة وشعوبها. ولسان حال الشعوب يردد ما قاله الخليفة هارون الرشيد: «أرى ماء وبي عطش شديد ولكن لا سبيل إلى ورود».

وكانت مناطق إيرانية مثل أصفهان والأهواز شهدت مظاهرات بسبب نقص المياه وجفاف بعض الأنهار وتحويل مياه بعض السدود إلى مدن أخرى. وفي العراق شهد أيضاً مظاهرات لنقص الماء في الجنوب لجفاف بعض منابع النهرين أو تحويل مجاري الفروع داخل إيران وتركيا. واضطرت وزارة الزراعة العراقية إلى تخفيض نسبة زراعة الأراضي للموسم الشتوي إلى النصف بسبب نقص المياه في دجلة والفرات. كما أن الأهواز الجنوبية وكثير من المناطق الزراعية في العراق زحف إليها التصحر بسبب الجفاف ما يهدد الأمن الغذائي العراقي.

وعلى الجانب الآخر من الحدود مع سوريا، فإن الوضع المعيشي والزراعي أكثر سوءاً بسبب الحرب وجفاف السدود وانهيار بعضها في شرق وشمال سوريا ووقف ضخ المياه من محطات على الحدود، وخضوع بعض السدود للقوى الكردية التي تقاتل الأتراك، ما أدى إلى فشل موسم الحصاد هذا العام وصعوبة بدء الزراعة في الموسم الشتوي، ونزوح السكان في هجرة ثانية نحو المدن طلباً للماء وهرباً من الحرب.

وإلى المحيط الأطلسي غرباً، يشهد المغرب أسوأ موجة جفاف في العقود الأخيرة، مثله مثل الجزائر وتونس التي تعرضت لنقص الأمطار في السنوات الأخيرة، ويبوسة أشجار الزيتون والمحاصيل، ونضوب بعض الأنهار بسبب التغير المناخي.

وبشكل عام هناك خطر طبيعي للاحتباس الحراري الذي رفع درجات الحرارة في الشرق الأوسط إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ ونضوب أنهار وتصحر مساحات واسعة. ففي غياب الحوار والعمل المشترك واستمرار الخلافات السياسة في المنطقة، فإن أزمة المياه ستتصاعد ربما إلى حروب واضطرابات داخلية مع نقص الغذاء والماء، حيث رصدت الأقمار الصناعية الأمريكية استنزافاً للمياه الجوفية في الجزيرة العربية ودول الشرق الأوسط أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية عشر بوصات..

وتقود قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي الأقرب إلى الشرق الأوسط، حملة دولية تضم 240 عالماً لتطوير خطة عمل إقليمية مدتها 10 سنوات وعرضها في قمة تُعقد بعد عام من الآن.

ويقول العلماء إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعاني في الأساس ندرة كبيرة في المياه، تشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة يمثل ضعفي المعدل العالمي، إذ تسجل ارتفاعاً بنحو 0,45 درجة مئوية كل عقد، منذ ثمانينات القرن الماضي ما يعني تجاوز الحرارة الستين مئوية في بعض المناطق، وقد شهد هذا الصيف سلسلة حرائق غابات على ضفاف البحر المتوسط هي الأكبر والأوسع.

ومن المفارقات الغريبة أن منطقة الشرق الأوسط وهي الخزان الأكبر للوقود الأحفوري المسبب للتغير المناخي، إلا أنها تملك الحل أيضاً لأزمة المياه والطاقة لأنها تضم مساحات واسعة لا تغيب عنها الشمس، ولأن الطاقة الشمسية هي البديل للطاقة النفطية فالتعاون بين دول المنطقة في مجال الطاقة والمياه هو المخرج الوحيد للأزمات بعد تجاوز الأزمات السياسية.

فقد اقترحت مصر التي تعيش على النيل حلاً شاملاً لتحويل نهر النيل إلى مجرى ملاحي للنقل من دول المنبع إلى المصب وتنشيط ضفتيه بالتبادل التجاري العابر للحدود في قفزة نوعية نحو تخطي الخلاف السوداني المصري مع إثيوبيا حول مياه النيل وتحويله إلى مجرى حيوي لكل دوله، كما أن تبادل الكهرباء من مزرعة للطاقة الشمسية في الأردن بالماء من محطة تكرير على البحر المتوسط برعاية أمريكية جاء لحل مشكلة نقص المياه في الأردن والكهرباء في إسرائيل. فالحلول الإبداعية قادرة على نزع فتيل الأزمات أحياناً.