على مشارف الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة؛ تستحضر الذاكرة إنجازاتها من دون مقدمات وبلا استئذان. وقد أغنت تجربتها الرائدة سجل المسيرة العربية، كما كانت آثارها واضحة في المنطقة وعلى المستوى العالمي، وبصمات التدخل الإنساني للإمارات دمغت ساحات واسعة على مستوى العالم أجمع.

منذ جلاء الاستعمار البريطاني عن سواحل الخليج العربي الشرقية عام 1968، تضافرت الجهود وتعاضدت الهِمم، وكانت مبادرة الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر/ كانون الأول 1971، وتولى الشيخ زايد، رحمه الله، رئاسة الدولة بإجماع إخوانه الحكام الآخرين، وبدأت مسيرة العطاء والتميز، وتحولت المنطقة برمتها إلى ملتقى للرواد من مختلف أنحاء العالم، لاسيما من الدول العربية، لتستفيد من الإدارة الرشيدة والثروة الواعدة في صنع نجاحات مكّنت الدولة من الوصول إلى الصفوف الأمامية بين الدول المتقدمة.

كان للمغفور له الشيخ زايد، مكانة متقدمة بين أشقائه في دول الخليج العربي، وليس مصادفة أن تستضيف أبوظبي المؤتمر التأسيسي لمجلس التعاون الخليجي في عام 1981، كان ذلك على خلفية الدور البارز الذي لعبه الشيخ زايد في سياق التقريب بين وجهات نظر أشقائه، وفي توفير الرؤى الثاقبة التي توصِل إلى مستقبل أفضل لشعوب الدول الخليجية العربية برمتها. وقد استمر مجلس التعاون طوال 40 عاماً في أداء دور متقدم على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية على الرغم من الظروف القاسية التي عاشتها المنطقة في مراحل متعددة.

وكان للإمارات بقيادة الأب المؤسس دور عربي جامع، من خلال البصيرة الثاقبة التي تمتع بها، ولكونه كان يتمسّك بالتقاليد الأصيلة التي تدعو إلى التكاتف والتضامن واحترام رأي الآخر، ووقف الشيخ زايد في طليعة المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني ومؤيداً لنضاله من أجل إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف، كما لعب أدواراً متعددة في مراحل مختلفة كان لها تأثيرها الواسع في تقوية المكانة العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ يمكن ذكر شعاره الشهير «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي» عندما وقف إلى جانب مصر وسوريا في حرب عام 1973، ومنع تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل في ذلك الوقت، ولحقت به دول عربية أخرى.

ومن نافل القول، إن احتضان الإمارات العربية المتحدة لأبناء الشعب الفلسطيني كان واضحاً ومتقدماً، خصوصاً عن طريق تقديم المساعدات لهم في مختلف المجالات، وفي توفير فرص العمل للمهارات الفلسطينية ومساعدة الطلاب في تحصيلهم العلمي غير المتوافر في الأراضي المحتلة. ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته الإمارات في الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في مختلف مراحل المِحن التي تعرضت لها البلاد، لاسيما إبان الحرب الأهلية المقيتة بين عامي 1975 و1990، وخلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت الأراضي اللبنانية، خصوصاً خلال الاجتياح عام 1982. ومثل هذه الأدوار النبيلة مارستها الإمارات مع غالبية الدول العربية التي تعرضت لأزمات أو لكوارث.

واستمرت الإمارات العربية المتحدة عبر 50 عاماً في مسيرة التعاون العربي، وعلى نهج التطور والإنماء، ووصلت إلى مراتب متقدمة على المستوى العالمي، في مجالات الأبحاث العلمية والفضائية وفي الصناعات التكنولوجية المتطورة، وفي ميادين التجارة والزراعة، وتبوأت مكاناً في الصدارة بين أمم الأرض؛ حيث أصبحت ملتقى للسياح ورجال الأعمال، وأرضاً غناء للمعارض العالمية، وآخرها كان إكسبو- 2020 في دبي الذي أبهر العالم بنجاحاته الفائقة، بعد سنة من الركود والانكفاء جراء جائحة كورونا.

لعل ما ذكره كتاب «التنافسية العالمية» عن عام 2020 خير دليل على النجاحات المتراكمة لدولة الإمارات العربية المتحدة عبر السنوات الخمسين الماضية؛ حيث ذكر الكتاب الذي يعتبر مرجعاً موثوقاً على المستوى الدولي: أن الإمارات دخلت إلى نادي الدول العشر الأكثر احتراماً للتنافسية وتكافؤ الفرص، وهي الدولة العربية الوحيدة ضمن هذه المجموعة، كما أنها حصلت على المرتبة الثالثة عالمياً في محور الكفاءة الحكومية، وعلى المرتبة الرابعة في محور الأداء الاقتصادي الممتاز، وهي الدولة السابعة في الترتيب العالمي على مستوى كفاءة الأعمال.

مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، تتأكد أكثر فأكثر نجاعة التجارب المتتالية، وتتأكد أهمية الإدارة الرشيدة في بناء الدول.