من الآن فصاعداً، نود أن نمعن النظر في عمق البعد الحضاري للدولة الاتحادية، بعد أن استكملت جميع استحقاقاتها لنصف قرن مضى، وهي تقطع المسافات بسرعة الأسد وقفزة الغزال كما علمنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله.
هذا المقياس في نشأة الدول التي تريد أن تشارك العالم بمختلف حضاراته، في غاية الأهمية للبقاء في ذاكرة تاريخ الأمم التي صنعت الفوارق النوعية في سلم الحضارات الإنسانية.
فالإمارات صنعت نموذجها الحضاري من فكر المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، عندما صدح بمقولته المشهورة: من لا ماضي له فلا حاضر له ولا مستقبل. زايد الذي لا يمكن أن يزايد عليه أحد، لأنه صنع الإمارات على عينه ومن حوله نخبة من رجالات الدولة الذين أخلصوا، فحصدت أجيال اليوم غراس الأمس القريب.
هذا صنع زايد، فماذا صنع عضده الشيخ راشد رحمه الله؟ حاولنا مرة إجراء حوار صحفي معه، إلا أنه رد علينا بحكمة القول بليغاً: يكفي أن أعمالنا تتحدث عنا دون أن نتحدث عنها، هكذا دأب بناة الحقائق، البناء الصامت، دون ضجيج وصخب. وعندما تولى رئاسة مجلس الوزراء الشيخ مكتوم رحمه الله الموصوف بـ «أبي الناس»، كان يدير أعمال الحكومة كشأن عقرب الساعة، ولكن أيضاً دون إعلام صاخب ولا إعلان مبالغ فيه.
حدثني أحد رؤساء تحرير الصحف بالدولة قائلاً: لقد كنا أشد الناس نقداً لحكومة الشيخ مكتوم، وبعد سنوات، فوجئت على مكتبي طرداً بريدياً ضخماً لم أتوقعه ممهور باسم الشيخ مكتوم، فاستعجلت في فتحه لعل أمراً مهماً صدر إلينا، فإذا به عبارة عن كل ما كتبناه من الزوايا التي كانت تنتقد أداء حكومته منذ البداية حتى آخر يوم من فترة رئاسته، ولم نجد في هذا الظرف أي رسالة من قبله موجهة نحونا، فوصلنا مغزى رسالته غير المسطرة: لقد كنت على بينة من كل ما وجهتموه من نقد بناء إلى حكومتي ولم أتدخل في عملكم. لأن النقد البناء يحافظ على المكتسبات، ويساعد الحكومة على مواصلة نهج البناء على بصيرة.
نقول هذه المئوية «2071»، التي نبشر بها الأجيال المستقبِلة لها بحماس الشباب وحكمة الشيوخ الذين مضوا على نغمة «البيت المتوحد» والمتحد في ذات الوقت، الذي عزز زايد أركان التأسيس الصلب، ثم أمده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، بشجرة التمكين للمواطن، وتعززت جذور الوطن بجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لكي يحولا الوطن الذي سكناه لأكثر من خمسين عاماً إلى منارة للتفوق والازدهار، حتى نصل اليوم إلى مرحلة أصبحت قلوبنا هي السكن لهذا الوطن، فهذا التغيير الجذري يحتاج منا بأن نصافح قلوب قادتنا كما نصافح أياديهم ونجعل من عيوننا مرآة الصفاء لهم.
دولة الإنسان ممتدة في أصقاع الأرض تنشر الخير والنماء في الأرجاء، وذراعها العلمية تمتد إلى المريخ وما بعدها.
الآن نأتي إلى ما هو أعظم وأدوم، الحفاظ على صنعة زايد، وصبغة راشد، ودقة مكتوم، وغرس خليفة التمكين، ورؤية اللامستحيل عند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وقيمة ثروة الإنسان لدى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد. وعندما نجمع كل ذلك ضمن بوتقة واحدة من مسؤولية القيادة الرشيدة والشعب الواعي لاستحقاقات المئوية المقبلة، سنجد أن الدولة التي جعلت شعارها الإنسان قبل المكان، وإعمار بنيان البشر مقدماً على صف الحجر، لا بد وأن يكون لها في العالمين ألف شأن.