يعيش العالم حالة تعد الأصعب والأكثر تعقيدا منذ 100 عام، بسبب تداعيات كوفيد - 19 وتحوراته الجديدة، أدى هذا الوضع إلى تكون نموذج جديد في إدارة المنظمات وطرق تفكير القيادات التنفيذية في القطاعين العام والاستثماري، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة. ورغم التحركات، إلا أننا لا نزال بعيدين عن التغيرات الهيكلية المرجوة التي يمكنها أن تعيد العالم إلى تحقيق مكاسب جديدة وغير إجرائية مؤقتة من أجل تحقق معدلات ازدهار اقتصادي مماثلة لما حققناه خلال العقود العشرة الماضية من حيث رتم النمو المدعوم بالتوافق العالمي من حيث التواصل والتكامل ضمن سلسلة القيمة العالمية والاستثمارات عبر الحدود، سواء لدول الشرق بقيادة الصين والهند واليابان، ودول الغرب الأوروبي بقيادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى أمريكا الشمالية والبرازيل والأرجنتين، ثم إن العالم اعتمد خلال العقود الماضية على السياسات الاقتصادية والنظام الاقتصادي الليبرالي الحديث، أي: إن الإطار العام للنجاح الاقتصادي يتطلب التحول والانسجام مع النظام الاقتصادي الذي لا يزال يعمل لكن فعالية أدواته لم تعد فعالة كما في الماضي. وسؤالي اليوم: إلى ماذا يحتاج العالم في الأزمات؟
إن ما نراه حاليا من سياسات لا تزال إجرائية وليست سياسات تكيف وتحول - إن صح التعبير - بمعني أن تلك السياسات لا تزال غير قادرة على امتصاص مزيد من الصدمات التي جعلت صناع السياسات الاقتصادية أمام خيارات صعبة، ولا سيما أن التحفيز النقدي عبر سياستي سعر الفائدة المنخفضة والتيسير الكمي ولّد موجة واسعة من التضخم مدعوما بعوامل أخرى، مثل ارتباك سلسلة الإمداد، ومخاوف توقف الأعمال مرة أخرى بسبب التغيرات التي لا تزال تطرأ على كوفيد - 19.
إن الآثار التي تلحق بالاقتصاد العالمي، وبحسب وصف البنك الدولي، أنها ندوب اقتصادية دائمة وتستغرق وقتا طويلا حتى تتجاوزها الدول النامية والصاعدة والمصدرة للنفط، إلا أن الاستعداد والبحث عن حلول يعدان أولى خطوات الخروج من الأسوأ، وأعتقد أننا في السعودية كدولة تمتلك احتياطيا نقديا، ستكون أقل تأثرا حال حدوث تراجعات اقتصادية طويلة الأمد حتى في ظل أسعار نفط ما دون 60 دولارا.
أخيرا: إصدار سياسات جديدة غير تقليدية والابتكار يعدان البوابة الحقيقة التي يمكن النفاذ منها إلى نظام اقتصادي جديد ينسجم مع تطبيقات الثورة الاصطناعية الرابعة وما يعقبها من تطور في أساليب العمل؛ كعدم الوجود المكاني والتحرر من الوظائف إلى المهن والتحول من المركزية إلى اللامركزية، ولا سيما أن الأزمات تعد الأدرينالين للابتكارات، وكوفيد - 19 أكد لنا ذلك. لذا لن يخرج العالم من أزمته الحالية ما لم يتبن سياسات الابتكار المستدام من أجل البحث عن الفرص في حالات عدم اليقين الطويلة، ولتحقيق ذلك على الحكومات أن تكون مرنة في تبني التحفيز السريع والاستثمار في المستقبل من خلال البنية التحتية الرقمية.