تلقيت دعوة كريمة، من وزارة التربية والتعليم لحضور أمسية فنية رائعة بإكسبو 2020، مع العرض الأول للفيلم الوثائقي «العيالة»، الذي يجسد الفن الشعبي الإماراتي الأصيل، وهو من إنتاج طلبة برنامج «روائع» إخراج: نائلة الخاجة أول مخرجة إماراتية. فماذا تعني هذه الرائعة الإماراتية في تلك الساحة العالمية؟ وعندما يختلط المحلي بالعالمي ما هي النتيجة المرجوة في هذا المجال؟
التراث الشعبي الإماراتي مرآة التاريخ للدولة التي تريد من الأجيال الشابة الحفاظ عليه دون أن يذوب في موجات العولمة، بل يكون رافدا لها دون أن يغرق بين ثناياها.
ولفت انتباهي أثناء هذا العرض الوثائقي لأحد أشهر العروض الفنية في منطقة الخليج وليس بالإمارات فحسب، بأن الطلبة المشاركين في تعلم هذا الفن من جديد دافعهم الرئيس هو خدمة هذا الوطن، ففي أثناء المقابلات كانت ذواتهم ذائبة في ذات الوطن ولم ينسبوا إلى أنفسهم فضلاً يذكر، بل الفضل للإمارات ثم للإمارات. والأمر الآخر يخص الآباء الروحيين لهذا الفن الذي لم يفارق أحياءنا السكنية منذ الطفولة، لا زال البعض حريصا حتى اليوم أن تكون «العيالة» جزءا مهما من حفل الزفاف.
لقد كان المدربون من «كبار المواطنين» الذين كانوا في غاية السعادة لوجود مثل هذه المبادرات التي تضع التراث في المقدمة ليكون مرآة للمجتمع في مسيرته نحو المستقبل دون أن يترك خلف ظهره. هذا النوع من الموروث الذي تتناقله الأجيال أبا عن جد لا ينبغي أن تغفل عين «اليونسكو» عنه حتى ينطلق إلى العالمية لأنه جزء من الأنثروبولوجيا الإنسانية التي تتمايز بها الشعوب دون أن تتخالف.
بعد الانتهاء من هذا العرض الشعبي والتربوي، انطلقت إلى جولة مكوكية في مختلف أقسام الدول المشاركة في هذا المعرض الذي جمع أفراح الوطن وأوطان الآخرين تحت قبة واحدة.
ففي جناح «السويد» استوقفني شعار «الغابة» الذي صمم به هذا الجزء، حيث عنوان الحياد المناخي فيه كان بارزاً. ولا أتصور بشكل عام بأن قطعة من هذه الغابة لا تسكن منازل المواطنين والمقيمين بالدولة، وعلى المستوى الشخصي بأن مكتبتي كلها من خشب الغابة السويدية وعلى ذلك يمكن لنا القياس نسبيا ما لدى الآخرين. وأثناء مغادرتي جناح «السويد» لمح ناظري، مجسم لـ «مسدس» بفوهة ملفوفة على شكل عقدة الحبل الغليظ، مما يوحي بالقول وداعا للسلاح، وأهلا بالسلام الذي تنشره منتجات تلك الغابات على الناس.
بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على هذا الحدث العالمي، لا زال إكسبو 2020 مليء بالإلهام.
واستكملت مساري حتى وصلت إلى جناح «جزر القمر»، ويمكن تسميتها بأرض «القرنفل»، وقد يدرك البعض بأن هذه الزهرة التي قد لا ترى بالعين، قد تصارعت عليها معظم الدول الاستعمارية في القرون الثلاثة الماضية، حيث وصلت قيمة الأرباح التجارية بها إلى مستويات قياسية قد لا يخطر على البال، وكانت تدر أرباحا خيالية وبنسبة 1000%، وهي من الأسباب الرئيسة لكي تتصارع بريطانيا وفرنسا على هذه الزهرة الجوهرة. لا يسعني في هذه العجالة، أن أذكر كلما جال في خاطري عن هذا الصرح الحضاري في بلدي الذي لم ينقطع يوما عن تصدير فكر الإلهام إلى الآخرين.