التحديات عشق دبي، هذا يقين مما سلف، فهي نهضت من وسط تحديات خبرتها من الصحراء، التي كانت التحدي الأول، لكنها في نفس الوقت الدرس الأساسي الأول.

يعلم أبناء الصحراء أن التعمق في فيافيها يحتاج إلى تعلم طريقين للعودة والخروج من متاهاتها، وهكذا هي دبي تحب المخاطرة في الاقتصاد، معتمدة دائماً خطة بديلة ومرنة للخروج من الأزمات مهما كان شكلها أو حجمها أو مصدرها أو طبيعتها، فهي التي خرجت من الأزمات، سواء إقليمية أو عالمية، بمكاسب ونجاحات مدهشة حوّلت تلك الأزمات إلى فرص، عززت فيها من قدراتها وإمكاناتها وزادتها جاذبية، لتكون علامة عالمية فارقة في كل الأوقات، وبرؤية وإدارة محمد بن راشد الذي اختبر الأزمات والتحديات بكافة أشكالها، وهو الذي قال يوماً إن الحياة من غير تحديات لا تصنع الفرص ولا تبني الحضارات.

راهن كثيرون ضد دبي سابقاً وما زالوا، واعتبروا أن الأزمات ستأتي عليها، لكنها فاجأتهم بأنها ربحت وفشلوا في رهاناتهم في كل مرة، وهنا نستذكر اثنتين من أكبر الأزمات العالمية التي طالت كل العالم، الأولى الأزمة المالية العالمية في 2008 وما تلاها، فإذا بها تقدم تجربة غير عادية في هذا التحدي، عبر استدعاء خبرة الصحراء وتنفيذ سلسلة من الخطط الاحتياطية المالية والتشريعية والإدارية والإعلامية، جعلت بريق هذه المدينة يزداد لمعاناً، ومضت في بناء نهضتها، فخرجت منتصرة، وخاب المراهنون ضدها.

الأزمة الثانية هي أزمة جائحة «كورونا»، التي وضعت العالم في حالة عدم يقين في كل شيء، فاستدعت دبي خبرة الصحراء ثانية، باستيعاب الصدمة العالمية أولاً ثم باستدعاء الخطط البديلة والمرنة، التي مكنتها من بناء استراتيجيات سريعة لمحاصرة الجائحة، وضمان العودة إلى النشاط الاقتصادي المعتاد بتوازن مدروس، يحافظ على الصحة العامة ويضمن دوران عجلة الاقتصاد، لذلك حين يقول أحمد بن سعيد قبل يومين «خاسر من يراهن ضد دبي» فهو يقول ذلك من باب يقينه بالقدرة الدائمة على مواجهة التحديات والأزمات العالمية، ومن رصيد الخبرة المتراكمة التي تم استدعاؤها في الأزمتين وكان أحد رموز مواجهتهما.

وكما أكد مراراً محمد بن راشد، فإن الفرص تأتي مع التحديات، مثل التحدي الذي كان قائماً عند إنشاء مطار دبي في منتصف القرن الماضي، وإذا بخبرة مواجهة التحديات تجعله واحداً من أنشط وأفضل مطارات العالم، فهذه الخبرة هي التي جعلت دبي علامة عالمية فارقة، يرغب الناس، على اختلاف منابتهم، في معايشتها والتعرف إليها والاستفادة من فرصها، فاليوم يتدافع الزوار إليها والمستثمرون والنجوم مستفيدين من نجاحها، خاصة النجاح الأخير الذي أبقى الاقتصاد مفتوحاً، ليبقى محافظاً على دعم الجبهة الصحية في مواجهة «كورونا».

هذا درس في الاستجابة للمتغيرات التي تستوجب التعامل معها والانفتاح على التغيير اللازم، بسياسة مرنة قادرة على امتصاص الصدمات ومواجهة التحديات ومناورتها، وهو ما أثبتت دبي دائماً قدرتها على ذلك، فنجحت، وواصلت طريق نهضتها، ولم ولن تلتفت لمن راهنوا على فشلها، فهي في سباق دائم مع النجاح، ولن تدخل يوماً في سباق لا يدعم أهدافها العالمية بالتفوق.