«الناس لا ينقسمون إلى قوميات وإثنيات وطوائف ومذاهب وكتل وأحزاب، بل ينقسمون إلى عقلاء وحمقى»!

أما الحمقى فإنهم ينقسمون إلى قوميات وإثنيات وأحزاب وكتل وطوائف!

انتقد الزميل محمد الدلال، أحد نواب الإخوان المسلمين السابقين، إشادتنا بمحاسن ومآثر الغرب وتقدمه، وكيف أنه بنظرنا صاحب التطور العلمي والاختراعات العظيمة، وهو النموذج والملجأ والأمان لكل طالب للحرية، وهو المثال والنموذج والقدوة، والخالي من «التطرف والإرهاب»!

بالرغم من أن الكاتب لم يورد اسمي، لكن سأفترض أنه يعنيني. وهو، كغيره من «المتأسلمين»، لا يترددون في دسّ غير الصحيح بين السطور، فلا أنا، ولا أعتقد أن غيري قال يوماً إن الغرب خال من التطرف والإرهاب!! وهذا أمر معيب بحق «النائب السابق»؟

كما ذكر بأنني أنعت العرب بالتخلّف والبعد عن المدنية، وهذا صحيح في جزئه الأول، ولكن لم أكتب يوماً أن العرب، أهلي، غير مدنيين، بل إن الجميع في دولنا مدنيون حتى النخاع، ولكن تنقص الكثيرين منا الحضارة.

كما قال بأن سبب تراجع العرب والمسلمين يعود إلى وجود أنظمة تسلطية تحول دون تقدم دولنا وشعوبنا، مع وجود قوى دولية تسعى إلى قمعنا ومنع نهوضنا! وهذا ترديد تقليدي لقصة المؤامرة، وقمة التخبط بعينه، فهو يلومنا لوصف العرب بالتخلف، ثم يأتي ليشرح لنا سبب تخلّف العرب! ولا أدري لماذا لم تمنع القوى نفسها، الغربية، دولاً مثل تركيا وماليزيا وغيرهما من النهوض والتقدم؟ وهل الحل بنظره يكمن في تسليم حكم دولنا للإخوان المسلمين، لكي تتقدم وتزدهر ويتوقف تدخل القوى الدولية في شؤوننا؟

ويستطرد النائب السابق قائلاً بأن الغرب هو الذي منح فلسطين لليهود! لكنه تناسى أن الغرب نفسه هو الذي أنقذ مسلمي كوسوفو من الفناء، وليس نحن، وهو الغرب الذي أعاد لنا وطننا في 26/‏2/‏1991 (الإعلان الرسمي للتحرير)، من قبضة صدام الحقير، وليس المسلمون، ولا «الإخوان» منهم بالذات، الذين وقفوا جميعاً في صف «صدام»!

ثم يعرج الكاتب للحديث عن جرائم الغرب في الحربين العالميتين الأولى والثانية (!!) وكيف أن العالم لم ينس كيف سعى الغرب إلى احتلال واستعباد شعوب العالم واستغلال ثرواته وجَرَّ رجاله ونسائه وأطفاله عبيداً يباعون ويشترون في سوق النخاسة! ولا أدري كيف تناسى الكاتب، الذي يحمل لقباً علمياً (!) أننا أيضاً قمنا باحتلال واستعباد شعوب دول كثيرة، يوم كنا في أوج قوتنا، كما قمنا باستغلال ثرواتهم وجَرِّ رجالهم ونسائهم وأطفالهم عبيداً يباعون ويشترون في سوق النخاسة، وسنفعل الأمر ذاته (كما سبق أن طالب بذلك الكثير من شيوخ الدين في مصر وغيرها) إن سنحت لنا الفرصة ثانية وثالثة!

ثم يقوم الكاتب بإيراد مقولات لمفكرين غربيين ينتقدون فيها «الحضارة الغربية» ويستشهد بهم، متغافلاً عمداً حقيقة دافعهم ورغبتهم في تعديل المسار، وليس مقارنتها بأوضاعنا، فهذا خارج اهتماماتهم تماماً.

كما استشهد الكاتب بكتاب «موت الغرب» لليميني المتطرف، الملقب بهتلر أميركا، باتريك بيوكانن، وليس «بارتريك»، كما كتب. فاستشهاده فيه سقطة كبيرة، سببها الجهل بحقيقة الرجل. كما أن الغرب حقق، منذ صدور الكتاب قبل عشرين عاماً، تقدماً مذهلاً في كل مجال، عكس ما توقع المرحوم باتريك!

ثم دعانا الكاتب إلى أن نظهر شيئاً من الاعتزاز بهويتنا الحضارية، وأتمنى عليه مخلصاً أن يبين لنا ما يستحق الاعتزاز بـ«هويتنا الحضارية»، وبالذات في وضعنا ووقتنا الحاضر؟

وهل الحل في اتباع نهج الإخوان المسلمين، الذي يمثله، أم في البعد عنه؟