«شامخة»، كان عنوانا مستحقا اختارته جريدة الأيام الغراء لافتتاحية نسخة عددها ليوم الثلاثاء الماضي، وهو عنوان معبر بحق عن الوصف الأنسب لدولة الإمارات العربية المتحدة التي طالتها مسيرات جماعات ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران و«حزب الله» وأسفرت عن قتلى وأضرار مادية؛ لأنها مكون رئيسي في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن؛ ولأنها بما تمثله من رمزية لدولة خليجية ناجحة ومتألقة مزعجة لجوارها الإيراني الذي لم ير منه الشعب الإيراني سوى البؤس وتجارة الشعارات الجوفاء وهدر الثروات الوطنية تأبيدا لحكم آيات الله. ولا حاجة لنا في هذا الإطار لنؤكد أن هذا العدوان ما جاء إلا تعبيرا عن حجم الخسائر التي تمنى بها قوات الحوثي على يد قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية بكفاءة واقتدار، مثلما أنه لا حاجة لنا لبذل مجهود عقلي حتى ندرك أن أسلوب الهجمات الإرهابية عن بعد بالمسيرات والصواريخ لا يحتاج إلى شجاعة وإقدام قدر الحاجة إلى عقل راجح في رأس إنسان كامل الأهلية.

لم أشأ أن أغير في العنوان غير إضافة «الـ» التعريف؛ لأن الشموخ والمعاني الأخرى المرتبطة به كالأنفة والإباء، والاعتزاز والفخر والفخار، هي جملة من المعاني التي تليق تماما بأن تكون من عناوين دولة الإمارات العربية المتحدة نظير ما استجمعته هذه الدولة الفتية بالكد والمثابرة والعمل في مسيرتها التنموية والحضارية التي باتت محط أنظار الدول والأمم وإعجابها. الإمارات في مدى نصف قرن حققت الكثير مما يفخر به شعبها، وأعطت من دون منة الكثير أيضا. ومن الدول الأولى وفي المراحل الأولى من تشكل دولة الاتحاد التي التفت لها المغفور له رمز الوفاء وحكيم العرب الشيخ زايد هي اليمن التي تدمر الآن عصابات الحوثي بناها التحتية وتفتت وحدتها الوطنية، ولو كان للحوثي وعصاباته ذرة من حياء وخجل لكانت الإمارات آخر من يفكرون في الاعتداء عليها، ولكن هل تفقه ذلك ميليشيات أعمت ثقافة القطيع بصيرتها وشل الانتساب الآيديولوجي الأعمى قدراتها على التفكير وتمييز الصواب من الخطأ وعلى رؤية مصلحة الشعب اليمني التي يُفترض أن تكون أولوية الأولويات المقدَّمة على كل المصالح.

ليس صعبا على دولة في حجم الإمارات العربية المتحدة، جيشا وشعبا واقتصادا، أن تؤدب الحوثيين بمفردها وأن ترد الصاع صاعين، هذا دون أن ننسى قوة دول التحالف العربي التي تحقق الآن الانتصار تلو الانتصار والتي بإمكانها أيضا أن تسحق الحوثيين سحقا. وعلى أي حال، وهذا ما ينبغي أن يعرفه من يبدي فرحا لما خلفته المسيّرات، فإن الحوثيين مجرد ميليشيات عسكرية بدائية تحصل على سلاح متخلف من إيران، إذا ما قارناه بمستوى تسلح جيوش دول التحالف، إلا أن الوضع بالنسبة للتحالف العربي لدعم الشرعية يتطلب الأخذ بعين الاعتبار بجملة من الحقائق على الأرض ويأتي على رأسها المدنيون الذين لا تعيرهم الميليشيات اعتبارا بل إنها تتخذ منهم دروعا بشرية لا يهمها إن ألحق بهم الأذى، وتحايل عصابات الحوثي في استغلال المساعدات الإنسانية لتخزين الأسلحة والمتفجرات وتهريبها وفي هذا لوحده برهان على أن كلفة الحرب وطول مداها لا يرجعان لقوة الميليشيات المدعومة إيرانيا وإنما لمثل هذه الحقائق وغيرها.

العدوان لقي تنديدا وشجبا على مستوى الدول والمنظمات وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، وهذا أمر جيد ومطلوب بلا شك، ولكن هذا أدنى ما يمكن أن تفعله؛ إذ يتوجب على هذه المنظمة العريقة أن تحشد الدعم وتوجد التشريعات الكفيلة بالتدخل للعب الدور المناط بها لإيقاف الحويثيين بالقوة وإجبارهم على القبول بالجلوس إلى طاولة الحوار، وهو الحوار الذي سئمت دول التحالف من إطلاق المبادرات بشأنه والاستجابة لدعوات الآخرين إليه، ولكن في كل مرة تفقد الدعوة جدواها مع مرور الوقت بسبب تلاعب الحوثيين بالوقت، وعدم جدية الأطراف الدولية في وضع حد للعبث الحوثي، هذا دون أن ننسى الدور المفقود للولايات المتحدة الأمريكية القوة العسكرية الأولى في العالم التي يُفترض بناء على معطيات جيو- إستراتيجية أن تكون السباقة لحماية واحد من أهم المعابر المائية في العالم عبر فرض مناخ آمن في باب المندب.

ومهما يكن من أمر، فالمنطق يفرض أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية غير محقة مطلقا في التغاضي عن الارتكابات الجرمية لميليشيا الحوثي الإرهابية ضد المدنيين، ونؤكد في هذا الإطار على كلمة الإرهابية التي نستعيرها من إدانة مستشار الأمن القومي التي أطلقها بعد أن «تبنت الميشيا الحوثية الهجوم» ومن وزارة الخارجية الأمريكية التي لا نشهد لها دورا كما كل الوزارات في الإدارات الأمريكية السابقة، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية تُعد من أكثر الدول علما بأن الشجب والإدانات لا تملك الأسنان القاطعة لردع العدوان إذا لم تقترن بالقوة. فها هي الإدانات لسلوك إيران في العراق واليمن وسوريا، وسلوك «حزب الله» في لبنان، تأتي، وعلى مدى سنوات، من كل حدب وصوب، فهل فعل هذا الشجب وهذه الإدانات شيئا؟

حديث الإدارة الأمريكية عن حقوق الإنسان لم يعد مقنعا في ظل تعييرها هذه الحقوق بما يتوافق مع رؤيتها ويتفق مع مصالحها، فمثلما أن هناك حقوقا للحوثيين في الرؤية الأمريكية لحقوق الإنسان، وتعتبرها التزاما أخلاقيا، فإن لشعوب الدول التي يطالها عدوان الحوثيين المدعومين من إيران حقوقا أيضا يجب احترامها. ولا يوجد خرق لحقوق الإنسان أكثر من الاعتداء على أمنه واستقراره. وهذا هو ما تقوم به إيران بواسطة ميليشياتها المنتشرة في بعض البلدان العربية وفي الخليج العربي أيضا.