يتذمر الكثير من المرؤوسين من ضغوط العمل، التي يرى بعضهم أن جلها يأتي من المدير وطلباته التي لا تنتهي. وحينما تجلس مع المدير، تكتشف أن الصورة مختلفة كلياً عن سوداوية المشهد الذي يحاول تصويره بعض من يسعون إلى تعليق همومهم على شماعة المدير. فالمسؤول لديه كذلك ضغوط من الإدارة العليا، يحاول الموازنة بينها وبين العاجل من الأمور والأعمال الروتينية، وبين توقعات الموظفين.

لأن المدير يعمل بين مطرقة رئيسه (الإدارة العليا) وسندان الموظفين. وهذا ما يولد لديه ضغوطاً يومية هائلة. هذا على افتراض أنه مدير بمعنى الكلمة، يمضي جل يومه في عمل جاد، وليس تمضية ساعات النهار في نقاشات، وزيارات، وضحكات هنا وهناك، حتى إذا ما حان وقت الانصراف، رأيته قد سبق العاملين نحو جهاز بصمة المغادرة.

السؤال الذي يطرح نفسه هل «الضغط» (أو الإرهاق) هو المشكلة أم «التكيف معه» هو الذي ينبغي مناقشته؟ الواقع يقول إن الضغط جزء من طبيعة العمل والحياة كلها، والناس هي من تتباين في التعامل مع الضغوط. ويقول الله تعالى في محكم كتابه «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ» أي أن المرء جبل على مكابدة مشاق الحياة وشدائدها. إذن هي مسألة تكيف وواقع. ولأنها واقع فإن أمام المديرين في بيئة العمل خيارات عدة، لتخفيف وطأة الضغوط، منها مثلاً زيادة تعيين موظفين جدد، أو تفعيل وإشراك أولئك المتراخين الذين يتفرجون على «الكادحين» وهم يعملون ليلاً ونهاراً.

في عالم المطاعم هناك نسبة معينة لكل نادل، مقابل عدد الزبائن، لكي يؤدي عمله على أكمل وجه، من دون أن يلحظ الزبائن أي خلل أو تأخير في الخدمة.

وهذه النسبة تتفاوت من مطعم إلى آخر؛ فبعضها يعتمد نسبة 1 إلى 15، أي نادل واحد مقابل 15 زبوناً بحد أقصى، لتقديم خدمة لا بأس بها. ولك أن تتخيل لو أن النادل نفسه يخدم ضعف هذا العدد (30) أو ثلاثة أضعاف (45)، فأي عبء هائل سيشكله ذلك على كاهله؟ ولذلك صرت قبل الاندفاع نحو نقد خدمة رديئة أو بطيئة انتبه إلى عدد من يقدمون الخدمة، فقد يكون الأمر خارجاً عن إرادة العاملين. وهذا باختصار ما يحدث في المصانع، وفي مقار خدمة العملاء وغيرها من إدارات تتطلب عدداً معيناً من الموظفين لإنجاز العمل بسرعة مناسبة. ما سبق يعني أن هناك حلولاً معقولة لضغوط العمل، يمكن أن تخفف من الضغط النفسي والإرهاق الذي قد ينتاب العاملين في شتى مواقعهم.

وتكمن خطورة تجاهل الضغوط التي لا «يحاول» المدير أو رئيسه استيعابها، في أنها قد تعود بعواقب وخيمة. الدراسات تشير إلى أن بيئات العمل التي يوجد فيها ضغوط ملحوظة، تقود نحو ارتفاع نسبة دوران الموظفين turnover أو خروجهم، بحسب تقرير مجلة «هارفارد بزنس ريفيو»، بعنوان «الأدلة على أن بيئة العمل الإيجابية أكثر إنتاجية».

والمشكلة تكمن في أن من يودعنا يأخذ معه عصارة خبرته وقيمته المضافة. فضلاً عما أشار إليه تقرير لمركز التقدم الأمريكي، وهو منظمة بحثية تعليمية مستقلة، هدفها تحسين حياة المواطنين، حيث ذكر أن تعيين موظف بديل عن من غادر المؤسسة، هو أعلى كلفة في الواقع بنسبة 20 في المئة، من كلفة راتب الموظف الذي ترك العمل. وهي مسألة منطقية، لأن معطيات السوق قد تغيرت وكذلك المتطلبات الداخلية. وقد يكون البديل الجديد بعد مدة من الزمن، غير مناسب إطلاقاً لبيئة العمل.

وللضغوط والإرهاق المبالغ فيها تأثير سلبي في الصحة، لأن التقديرات تشير إلى أن ما بين 75 إلى 90 في المئة من جميع الزيارات الرئيسية للأطباء، تعود بشكل أو بآخر إلى مشكلات ذات صلة بالضغوط، بحسب تقرير المعهد الأمريكي للضغوط AIS.

خلاصة القول، إن الضغوط أمر لا مفر منه في ميادين الحياة. والوظيفة التي تخلو من الضغوط تحوم حولها علامات استفهام عن مدى جديتها أو قيمتها المضافة للعاملين فيها. ولا بدّ من استيعاب قضية مهمة في مسألة «التكيف» مع الضغوط، وهي أنه عندما يتحمل كل موظف «حصته» من الضغوط، تخف وطأة الحِمل على كاهل الإدارة كلها.

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة