حققت أسواق المال الخليجية (البورصات) في العام الماضي مكاسب مهمة، وهو ما تم التنويه بإمكانية حدوثه بدايةَ عام 2021 من خلال تحليل التوقعات الخاصة بأداء أسواق المال الخليجية، حيث حقق مؤشر سوق أبوظبي للأوراق المالية نسبةَ ارتفاع كبيرة بلغت 68%، بينما حقق سوق دبي ارتفاعاً بنسبة 28%، والسوق السعودية 30%، والبحرينية 39% والكويتية 27% والقطرية 11.4% وسوق مسقط للأوراق المالية 12.8%.. وهي أعلى معدلات للبورصات الخليجية منذ اثني عشر عاماً مضت.

وتُطرح الآن بعض التساؤلات من قبل المستثمرين والمتعاملين في الأسواق الخليجية حول توقعات الأسواق في العام الجديد من أجل بناء مواقع جديدة واتخاذ قرارات استثمارية، خصوصاً وأن هناك تطورات اقتصادية وجيوسياسية متسارعة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. وباستبعاد الأحداث الأمنية والجيوسياسية غير المستقرة، والتي قد تكون لها تأثيرات ربما تكون مؤقتة على الأسواق، فإن المؤشرات الاقتصادية العامة تشير بوضوح إلى أن البورصات الخليجية مقبلة على تحقيق مكاسب إضافية في عام 2022، مما يتيح للمستثمرين فرصاً مثالية لتحقيق أرباح مجزية لاستثماراتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار الابتعاد قدر الإمكان عن المضاربات السريعة وغير المضمونة والتركيز على الاستثمار متوسط وبعيد الأجل.

وبالتأكيد هناك من يتساءل أيضاً عن أبعاد هذا التفاؤل وأسسه، وهو تساؤل مشروع لا بد من الإجابة عليه بقدر ما تتيحه هذه المساحة، فأولاً هناك التوقعات الخاصة بمتوسط أسعار النفط في العام الجديد، وهي متفاوتة بين وكالة الطاقة الدولية ومعظم المؤسسات المالية الكبيرة، إلا أنه بشكل عام سيظل متوسط سعر برميل «نفط برنت» مرتفعاً نسبياً ليتراوح بين 70 و75 دولاراً للبرميل، وهو ما سيؤدي إلى استمرار انتعاش الأوضاع الاقتصادية بشكل عام وتوفير سيولة كبيرة في الأسواق الخليجية.

أما العامل الثاني فيتعلق بإمكانية التعافي من فيروس «كوفيد-19» وعودة الأنشطة الاقتصادية إلى سابق عهدها في عام 2022، وهو ما سيوفِّر أعمالاً إضافية ويساهم في تنامي أرباح الشركات، بما في ذلك الشركات المساهمة والمدرجة في البورصات الخليجية، هذا التنامي المستند على التقدم الذي تحقق خلال العام الماضي والذي سيتضح من خلال توزيعات الأرباح لمعظم الشركات الرئيسية التي ستعلن خلال الأيام القليلة القادمة.

وفي هذا الصدد تمكن الإشارة بصورة خاصة إلى أداء البنوك والمؤسسات المالية الخليجية، والتي يبدو أنها استعادت معظم أنشطتها وقوة اندفاعها، وساعدتها في ذلك المواقفُ الصلبةُ والدعمُ الذي تلقَّته من البنوك المركزية الخليجية أثناء الأزمة، وهو ما سيساعدها على سرعة التعافي وتحسن الأداء خلال العام الجاري.

ويكمن العامل الثالث في الانتعاش المتوقع للاقتصادات الخليجية والتوقعات الخاصة بتحقيق معدلات نمو مرتفعة هذا العام، كما تشير إلى ذلك كافة المؤشرات المعلنة من المؤسسات المتخصصة والرسمية المحلية والخارجية، وهو ما سينعكس إيجاباً على أداء أسواق المال الخليجية، باعتبارها مرآة للأوضاع الاقتصادية العامة.

وهذا إضافة إلى إمكانية طرح اكتتابات جديدة «IPO» سواء من خلال طرح جزء من أسهم الشركات الكبرى القائمة وغير المدرجة حتى الآن، أو بطرح شركات مساهمة جديدة، وهو ما سينعش الأسواق المالية ويزيد من مساهماتِها في التنمية. وتعتبر هذه التطورات الإيجابية للبورصات المحلية فرصةً مناسبةً لإضفاء مزيد من الشفافية والإفصاح على عمل الشركات، وكذلك تطوير التشريعات وأنظمة الحوكمة الخاصة بهذه الأسواق، مما سيساعد على إكسابها المزيدَ من الثقة، وبالأخص من قبل المستثمرين الخارجيين، إذ أثبتت التجربة أن زيادة نسبة المساهمة الأجنبية في ملكية الشركات غير كافية لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، وأن الأمر يتطلب أيضاً المزيد من التطوير لبنية هذه الأسواق وحوكمتها وتشريعاتها.

إذن هناك فرص مستجدة للمستثمرين المحليين والخارجيين متاحة في البورصات الخليجية خلال عام 2022، يمكن استغلالها لتحقيق عوائد مجزية، مقارنةً ببعض أوجه الاستثمار الأخرى، بما في ذلك الودائع المصرفية التي تصل إلى حد الصفر تقريباً، إذ ستظل متدنيةً حتى مع التوقعات الخاصة برفع أسعار الفائدة على الدولار هذا العام من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي، وهو ما سينعكس على العملات الخليجية المرتبطة بالدولار، مما يعطي الأفضلية لأوجه الاستثمار الأخرى، بما فيها الأسهم والأوراق المالية في عام 2022.