إن لسمعة الفرد في الضمير العربي شأناً كبيراً سواء كانت تأثراً أم تأثيراً، وهذا يعتبر موروثاً عربياً، ذلك أن العرب هم من أسسوا هذا المفهوم حتى أصبح يلعب دوراً كبيراً في حياة الأفراد، فلا بيع ولا شراء ولا مصاهرة ولا حتى على مستوى الجيرة مع فرد سيئ السمعة؛ وهو متعارف عليه حتى الآن، حتى أن المثل الشعبي الدارج يقول: "اسأل عن الجار قبل الدار".

ومن هنا برزت أهمية السمعة في حياة الفرد بل كانت أهم وسائل الضبط الاجتماعي، وكان الجامع في الماضي القريب خير دليل على سمعة الفرد إذا ما كان يرتاده ويحافظ على الحضور وتأدية الفرائض، كما أن ارتياده وحضوره يعطي انطباعاً واضحاً لدى مرتادي الجامع سواء كان في المظهر أو النطق، أو حتى السلوك المتبع، ومن هنا كان إذا ما تقدم فرد لخطبة فتاة فإن والدها يذهب إلى أقرب جامع من بيته ويسأل عن سمعته وبناء عليه تتم الموافقة عليه من عدمها.

ومن هنا كان الاستعلام عن سلوك الأفراد وتوجهاتهم ومدى ثقافتهم يجعل متكأه الأول وقبل كل شيء هو البحث عن السمعة، ولم تخفت هذه السمعة بل أصبحت تتقد شعلتها يوماً بعد يوم رغم اتساع الرقعة الاجتماعية ورغم المدنيّة التي جعلت الأفراد في دوائر مغلقة إلى حد كبير.

ومع الانتشار والتوسع في استخدام الشبكات الإلكترونية بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي بجميع فصائله وأدواته، أصبح الفرد بسلوكه وبممارساته اليومية وبجميع تعاملاته مكشوفاً للفضاء الإلكتروني وأصبحت معرفته بكل ما له وما عليه واقعاً سهلاً وملموساً، ولذا نجد أن إدارة هذه الشبكات تحدد اهتمام كل فرد ومنشطه، لذا يصله كل ما هو مهم في دائرة اهتمامه من عمل أو أصدقاء أو إعلانات وما إلى ذلك حتى أصبحت إدارة السمعة الإلكترونية منشطاً من مناشط الفضاء الإلكتروني!

فـ "إدارة السمعة الإلكترونية" أو ORM"(Online Reputation Management)": هي عملية تتم فيها ممارسة البحث المستمر، وتحليل المعلومات حول السمعة الشخصية، أو المهنية، أو التجارية، أو الصناعية، الموجودة كمحتوى إلكتروني في جميع وسائل الإعلام على شبكة الإنترنت. ولقد أدت الطبيعة الواسعة الانتشار للإنترنت إلى تزايد عدد المستهلكين والبائعين الذين يستعملون الإنترنت كشكل من أشكال الاتصال، سواء أكان ذلك باستخدام البريد الإلكتروني، أو الإعلانات، أو عند القيام بالتعاملات التجارية. وبذلك نستطيع القول إن تأصل هذا المفهوم (السمعة) لدى الأفراد في المجتمعات القديمة، أصبح أشد ضراوة، وأصبحت السمعة الإلكترونية أقوى تأثيراً سلباً أو إيجاباً في حياة الإنسان المعاصر على جميع المستويات، وكأننا نستحضر أقوى آلة من آلات الضبط الاجتماعي، بل توسعت حتى شملت الاقتصادي والسياسي أيضاً، ومن هنا لم يعد للفرد أو المسؤول الحاجة للذهاب إلى قرية أو مدينة أو جامع للسؤال والاستفسار عن سمعة إنسان وسلوكه ومدرج حياته، بل أصبح هناك واقع بين أيدينا واضح وصريح ومهم وخادم لكل الأسئلة والأجوبة وهو (إدارة السمعة الإلكترونية) التي فيها تفاصيل كل واحد منا.

إن مع حداثة هذا العالم الافتراضي واتساع رقعته وتزايد عدد رواده جعلنا نتساءل: هل الفرد منا يعلم أن سمعته الأخلاقية والتجارية والسياسية والاجتماعية أصبحت كاشفة ومكشوفة لكل من ضغط على أزرة الـ(كيبورد)؟!

وهل يراقب الناس أنفسهم وهم يعملون ويتواصلون ويقرؤون ويبدعون داخل لوح زجاجي أنهم من خلف الجُدُر؟ لا.. ليس الأمر كذلك، ذلك أن الصورة السلبية على الإنترنت حتى وإن كانت بأسماء وهمية أو أيقونية، لا تؤثر فقط في محيطهم الاجتماعي فحسب، بل تطال وظائفهم وشركاتهم ومحطات أرزاقهم ويمتد ذلك إلى مستقبل أبنائهم وسمعتهم حتى أصبحت السمعة الإلكترونية إما قميص عثمان، وإما منطاداً محلقاً نحو الفضيلة والانضباط والرقي.

يقول أحمد السيد كردي في دراسة منشورة في هذا الشأن: "ما زال العالم العربي يحتاج للكثير حتى يصل لمستوى الوعي الكافي لإدراك أهمية وخطورة عملية "إدارة السمعة الإلكترونية"، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى بعض الجهود التي بذلت في هذا المجال، فقد عملت مؤسسة غولدن بي إحدى المؤسسات العربية الرائدة في مجال "إدارة السمعة الإلكترونية" بالتعاون مع شركائها، وبمساعدة خبراء أجانب، على تطوير إستراتيجيات فعّالة لمواجهة الأخطار والتهديدات التي قد تنجم عن سوء الاستخدام بهدف الإساءة لسمعة الآخرين، كما طورت حلولاً جديدة لمكافحة القرصنة الإلكترونية التي تكلّف المؤسسات والشركات التجارية خسائر مادية هائلة، بالإضافة إلى الإضرار بسمعتها عبر الشبكة العنكبوتية".

إن غياب الوعي العربي لاستخدام الإنترنت هو ما خلق كل هذه الترهات والانفلاتات والإساءات وغير ذلك من كل سلوك منافٍ للأخلاق والسلوك الراقي الذي يتزيا به البعض ظاهرياً وفي قلب زجاجات الأجهزة يخلع أرديته ظناً منه أنه في مأمن! لكن الحقيقة صادمة ومترصدة وكاشفة حتى وإن كنا داخل زجاجة!