لا يوجد إنسان مثالي، محاولة الإنسان أن يكون مثاليا متعبة له ولمن حوله، في التربية على سبيل المثال قد تحدث فجوة بين الوالدين وبين الأبناء بسبب محاولة الوالدين نقل السلوك المثالي إلى الأبناء بطريقة التوجيه المباشر المتكرر وكأنه نقد لكل سلوك يصدر من الأبناء، أو استخدام أسلوب الأوامر في التعامل مع الأبناء بدلا من الحوار.

بين جيل وجيل تختلف المعايير والعادات الاجتماعية والغذائية فيصبح تقييم سلوك الأبناء بمعايير الماضي سببا في حدوث شرخ في العلاقة الأسرية، كما أن رغبة الوالدين في استنساخ أنفسهم ليست بالضرورة هي الأسلوب التربوي المناسب، قد يشعر الأب بالفرح حين يسمع من الآخرين الإطراء لابنه بعبارة مثل (طالع لأبيه) ولكنه سيفرح أكثر حين يتفوق عليه الابن ويختار مسارا مختلفا في الحياة يتفق مع رغباته وقدراته وليس مع رغبة والديه.

هل المثالية تهمة أم قدوة؟ المثالية هدف يسعى إليه البعض وفي هذا السعي إيجابيات كثيرة إذا كان صاحبها يمارسها من دون مبالغة، وهي في هذه الحالة قدوة للآخرين سواء على نطاق الأسرة أو في محيط العمل؟

المبالغة في المثالية هي الوصول إلى حد القلق غير المنطقي أو القلق السلبي، في المجال التربوي داخل الأسرة ليس من المناسب تربويا ممارسة الوالدين دور الرقيب أو المقيم لكل صغيرة وكبيرة ووضع أطر سلوكية محددة لا يجوز الخروج عنها مثل ترتيب المكتب أو طاولة الأكل أو طريقة المصافحة وغير ذلك من التفاصيل التي ليس من الحكمة التدخل فيها.

في بيئة العمل، يكون المدير قدوة بعلمه وأخلاقه وليس بمسمى منصبه أو الصفة الأكاديمية، قد تحث فجوة بين المدير وفريق العمل إذا كان المدير يتعلق بمثاليات شكلية، أو يعزل نفسه بجدار من الإجراءات البروتوكولية، أو ينظر لكل ما يؤديه الآخرون بمنظار سلبي، ويقيم الأداء بمثاليات مبالغ فيها، كل عمل رائع ومنجز جميل يبحث فيه عن نواقص ويبدأ فيها ويبرزها قبل أن يبحث عن الجوانب الجميلة في العمل.

المثالية (القدوة) ليست بكثرة النقد أو تكرار النصائح بمناسبة ومن دون مناسبة سواء من الوالدين للأبناء، أو من الرؤساء للموظفين، التأثير القوي يكمن في الممارسات أكثر من الأقوال، القدوة هي الأعمال، الأقوال مهمة بشرط ألا تتناقض مع الأفعال، والإبداع يحتاج إلى تحفيز ودعم للتفكير المستقل والتحرر من قيود أبوية أو مهنية تضع الشباب في مسارات محددة لا يجوز تغييرها.