سنقول كلاماً مكرّراً لو ندّدنا بلجوء السلطة الى القوة في قمع المتظاهرين. فالسلطة التي لم تتورّع عن إطلاق النار على عيون ثوار 17 تشرين تَعتبر حتماً أن ضرب المعتصمين أمس على طريق القصر الجمهوري شرعي وبديهي.

ومع أننا تعودنا على عنف المنظومة الحاكمة كوننا جربناها في ما هو أفظع من تكسير العظام على جسر جل الديب، وأدهى من فسح المجال للميليشيات لحرق خيم ساحة الشهداء وللتمتع بتحويل انتفاضة المواطنية الى انقسام طائفي، فإننا لن نتوقف عن استهوال التعرض بالضرب للاساتذة الجامعيين.

ربما توجَّب لومُ أساتذة الجامعة اللبنانية قبل الذين أمروا بقمع اعتصامهم. فهم اعتقدوا خطأ أن مافيا السلطة التي ابتلعت ودائع الناس وانفجار النيترات لا تزال تقيم بعض الاعتبار للمعلمين، وأن مهنة التدريس يجب أن تبقى محاطة بالاحترام، فلا يمكن تعنيف دكاترة نساء ورجالاً أوكلنا اليهم تعليم أولادنا وخصوصاً أولاد الذين استخدموا الهراوات ضد مطالبين بحقوقهم وبمصلحة جامعة كل اللبنانيين.

أخطأ الدكاترة في التشخيص، وهو خطأ منهجي جسيم. واجبهم أن يدركوا من تجربتهم وتجربة زملائهم القدامى أن من يتسلم زمام الأمور اليوم أسوأ بكثير من السابقين. فالجامعة التي قامت بعد تضحيات ونضالات لا تزال تعاني منذ انشائها تواطؤ أهل القرار قبل سوء الادارة بفعل التعيينات الميليشياوية من الرأس حتى آخر حاجب في الكليات.

اساتذة الجامعة محقون في مطالبهم. لا يمكن تأمين الاستقرار التعليمي من غير استقرار مالي ووظيفي. فـ"التفرغ" للمستحقين ضروري و"الملاك" للمؤهلين بديهي، ووضع الجامعة في طليعة سُلم الأولويات مهمٌ للأكثرية الساحقة من أبناء العائلات اللبنانية بعدما تقلصت قدرة معظمها على إلحاق أبنائها بالجامعات الخاصة وتعاظمت الحاجة الى هذا الصرح التعليمي المجاني.

كل اللبنانيين مع الجامعة الوطنية ومطالب اساتذتها، لكنهم في المقابل يريدون أن تعود مؤسسة جامعة، ليس للتعلم الراقي وللتلاقي بين كل الطوائف والطبقات فحسب، بل مساحة حرة للاختلاف والتمرد وتوليد الأفكار بعيداً عن الأصوليات والألوان الموحدة. لذا واجب الأساتذة أيضاً، فيما هم يطالبون الدولة بإنصافهم، أن ينصفوها بالولاء لها وللقيم التي تتفرّع عنها والمتمثلة خصوصاً بوحدة مؤسساتها ووحدانيتها. وهو ولاء شديد البعد عن مفاهيم وممارسات المنظومة الحاكمة وأحزابها التي تفرق اللبنانيين وتلغي مشتركاتهم وتربي فيهم نزعة العداء للآخر.

أما واجب ادارة الجامعة ووزارة الوصاية فهو استعادة دور المنظِّم النزيه. فلا يحمل وزير التربية ملف "تفرغ" إلا لأصحاب الكفاءات وليس الولاءات، ولا تُقبل شهادات الدكتوراه الا من جامعات مرموقة، ولا تُمنح درجات جامعية الا من محكِّمين نزيهين.

اليوم وقت حقوق الأساتذة والمدرِّبين في هذا الظرف الاقتصادي العصيب، لكنه دائما وقت التنبُّه الى مستوى هيئة التدريس والمناهج والمناخ الجامعي، لأن واجب الجامعة تخريج مواطنين كفوئين وليس أتباع قيادات فاسدة وأحزاب خارجية الولاء ومنظومة لا ترى ضرب الأساتذة على طريق بعبدا سوى تفصيل سخيف.