السلاح النووي هو مجموعة نيازك مخزونة في أماكن معلومة وأماكن سرية، في البر وفي البحر وكذلك تحت الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي، وقد تكون بعضها تحوم حول الكرة الارضية في مدار مسكين صار مزحومًا باقمار صناعية، والله يعلم ماذا يحمل كل قمر بشري. مجازيًا نرمز الى السلاح النووي بالنيزك، لأن الكرة الارضية لها تجربة مع نيزك أباد الحياة عليها قبل ما يقارب الستين مليون سنة. كان ذاك وفي ذاك العهد المليوني نيزك واحد أباد الحياة على الارض، فما بالنا بنيازك مزروعة على كامل الكرة الارضية، براً وبحراً وجليداً. ما من شك أن هذه النيازك البشرية اذا انطلقت من مكامنها الشيطانية فإن الكرة الارضية كلها ستتفتت الى بلايين البلايين من القطع الصخرية. قطع صخرية بأحجام مختلفة تنطلق بسرعات تفوق سرعة الصوت بعد تلاشي قوة الجاذبية، وتضرب أسطح الكواكب الاخرى وبعضها تحوم في مدارات تلك الكواكب. بهذا السيناريو، المحتمل جداً، فإن عبقرية الانسان تترك بصمة في نقطة نائية في الكون تسمى المجموعة الشمسية، وهي ليست سوى حبة رمل في مجرة درب التبانة، وستكون هذه البصمة هي الشاهد الكوني على مقبرة البشرية.

ماذا فعل ويفعل الانسان لتفادي هذه الكارثة على الكرة الاضية ؟ الكرة الارضية تعرضت لضربة نيزك قبل 60 مليون سنة، مما تسبب في إنهاء الحياة عليها، وكان عصر الديناصورات. استعادت الكرة الارضية حيويتها البيولوجية والنباتية بعد ما يقارب الاربعين مليون سنة بعد ضربة النيزك، ولكنها بعد إعادة الحيوية على برها وبحارها، ها هي تواجه مصير الفناء، وكأني بالارض تتحسر وتقول ليتني اكتفيت بنفسي مثل بقية الكواكب في البيت الشمسي، صخور وحجارة ورمال فقط.

الانسان كيان حيواني غريب، فهو من أجل تفادي كارثة كامنة من صنع يديه يخادع نفسه ويكذب على نفسه برسم لوحة من كلمات منمقة يسميها «معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية». هذه المعاهدة ليست سوى حبر على ورق لإثبات جدية لا يمكن الوثوق بها، وهي بالنتيجة لا يمكن إثباتها، بدليل أن المعاهدة تجيز للدول الخمس العظمى التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن أن تمتلك السلاح النووي، وهذه الدول بيدها «حق باطل» تسميه مواثيق الأمم المتحدة «حق الفيتو»، والفيتو في هذه المواثيق هو الباطل. الدليل الآخر هو ما يُعْرَفُ من العنوان ذاته الذي يكشف عن عدم جدية الانسان في معالجة قضية مصيرية تمس كامل الوجود البشري، إذ العنوان ينص على «عدم انتشار» وليس «عدم امتلاك» او «القضاء على». إذًا، عنوان المعاهدة يفضح المعاهدة … أسلحة نووية لها شرعية الوجود عند خمس دول، وهذه الدول تطور وتهدد و تبتز، وهي داخلة في صراعات جيوسياسية واقتصاد-و-سياسية مما قد تنزلق مع هذه الصراعات الى حروب من المحتمل - المتوقع ان تنفجر معها مخزون النيازك النووية.

المعنى السائد لروح المعاهدة و الذي تقره الأمم المتحدة هو انه «في عام 1968 تم التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي فرضت طابع الشرعية على الترسانات النووية للدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، أما الدول الأخرى فقد فقدت بعد توقيع الوثيقة، الحق في صنع أسلحة نووية أو حيازتها. ووقعت على الوثيقة، أكثر من 190 دولة، وبقيت خارجها: إسرائيل والهند وباكستان. وفي يناير 2003 انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة».

المعاهدة صاغتها الدول الكبرى التي تمتلك السلاح النووي منذ البداية، وهي تناقض مفهوم عدم انتشار السلاح النووي، وهي ناقصة لأنها لا تتطرق الى «عدم استعمال السلاح النووي»، او الامتناع عن استعماله … المعاهدة، و هي بهذة الصيغة الناقصة والمتناقضة، كان يمكن أن تكون أفضل لو تضمنت صيغة الزامية تفيد بأن الدول النووية تتعهد بعدم استعماله ولا التهديد به، خاصة ضد الدول الموقعة والتي لا تمتلك هذا السلاح … كوريا الشمالية وقعت على المعاهدة، ولكن عندما طلبت من أمريكا بالتعهد على عدم استخدام السلاح النووي ضدها، امتنعت أمريكا عن إعطاء هذا التعهد، مما دفع بكوريا الشمالية أن تنسحب من الاتفاقية وتبني ترسانتها النووية لردع أي هجوم أمريكي ضدها.

المعاهدة تناقض نفسها في مفهوم صيغة «عدم انتشار»، و الذي يترجم على أرض الواقع «عدم امتلاك الدول الموقعة على المعاهدة»، بينما الدقة في المعنى، دون تفسير ولا تأويل، هو منع الدول المالكة للسلاح النووي بنشره في الدول الاخرى، أي أن السلاح النووي يبقى محصورًا في الدولة المالكة، وهذا المعنى يناقضه الواقع، إذ أن للدول الكبرى قواعد عسكرية مدججة بالسلاح النووي على كامل الكرة الارضية.

إن منع انتشار السلاح النووي، بالمعنى الذي تهواه الدول الخمس، أي منع الدول الاخرى من امتلاكه، لا يساهم مطلقًا في منع حرب نووية كارثية، لأن الترسانة النووية التي بيد أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، هي وحدها، او حتى ترسانة دولة واحدة منها، كافية لتدمير العالم، بينما امتلاك الدول الاخرى لهذا السلاح ليس إلا لردع التعرض لهجوم نووي، ونسبيًا الحصانة ضد الابتزاز. لو جمعنا كل ما بحوزة الهند وباكستان واسرائيل وكوريا الشمالية من أسلحة نووية فإنها لا تتعدى حدود ما فعلته أول قنبلة نووية في هيروشيما وناجازاكي.

الصراع الدائر بين روسيا وأمريكا على الارض الاوكرانية اليوم يمكن أن يتفاقم الى مواجهة نووية، وهذه الاحتمالية هي معيار لجدية وفاعلية «معاهدة عدم انتشار السلاح النووي» … هذه المعاهدة ليست سوى خدعة وكذبة لذر الرماد في عيون الشعوب، وما دامت الدول الكبرى تتمسك بترسانتها النووية فإنه لا سبيل الى الاطمئنان على مصير البشرية.