تعكس أزمة وزارة الخارجية وجهازها الدبلوماسي في توقيتها سيناريو يصب في مصلحة أجندة الحاكم بأمره والفريق الملحق به، جهة تطيير انتخابات المغتربين.

وبعد التحجج بعدم القدرة على تأمين الميزانيات اللازمة لدى البعثات الدبلوماسية لإجراء الاقتراع في الخارج، يتم اليوم الترويج لـ»امتناع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن طرح ملف التشكيلات الديبلوماسية المتفق عليه مسبقاً في جلسة الحكومة الأخيرة، وتلاعبه بمصير سفراء قابعين في الخارجية منذ 5 سنوات خلافاً للقانون الذي ينص على عدم بقائهم في الإدارة المركزية أكثر من عامين».

وتلمِّح مصادر الإعلام الممانع إلى أن «وزير الخارجية في صدد اتخاذ خطوات حاسمة قد تصل إلى حدّ الاستقالة في حال استمرار رئيس الحكومة في عرقلة الملف».

وعدا ما يوجَّه إلى هذه التشكيلات من تهم بمحاصصات ومحسوبيات لصالح العهد القوي، ومن بعده باقي أركان المنظومة، تبقى النقطة الأهم الممكن الاستفادة منها، وهي تطيير انتخابات المغتربين، والتي توفر على هذا العهد عمليات التزوير لتغيير نتائج الصناديق الاغترابية لصالحها، وتحديداً بعدما أصبحت الانتخابات قدراً يبدو أن التخلص منه ليس كشربة ماء، حتى تاريخه.

وبذلك يتمكن الحاكم بأمره من إغلاق كل الأبواب التي قد تحمل رياحاً تغييرية قد تهدد الحاكم بأمره وفريق عمله ممن يسميهم «حلفاء».

ولأن انتخابات المغتربين هي باب من هذه الأبواب، يمكن قراءة أزمة وزارة الخارجية كضرب من ضروب الحاكم بأمره، الماهر في توزيع الأدوار واختراع خصومات بين الملحقين به في حكومة يملك كل قراراتها وتحركاتها.

والأرقام وحدها كفيلة ببلورة أبعاد هذا الخوف وابتداع الحجج للقوطبة على مشاركة من دفعهم جحيم العهد القوي إلى الرحيل بحثاً عن إمكانات الحياة الكريمة.

فالعدد الكلّي للناخبين المسجلين فاق ما يقارب 240 ألف ناخب. والمراجعة الأولية لأرقام المسجلين وتوزعهم الطائفي، تشير الى أن 60 في المئة منهم مسيحيون، وأن تراجعاً لافتاً ظهر في إقبال الناخبين السنّة على التسجيل في أميركا الجنوبية وأستراليا، مقابل كثافة كبيرة في بعض البلاد العربية ولا سيما الإمارات والسعودية، علماً بأن الولايات المتحدة سجلت الرقم الأعلى، متفوقة على فرنسا.

ولم تنفع جهود العهد القوي لتطيير انتخابات المغتربين من خلال تقديم الطعون، التي ردها المجلس الدستوري في حينه.

كذلك لم ينفع تظلم «حزب الله» من أن مشاركتهم في الانتخابات لن تكون شفافة ونزيهة مع المؤامرة الكونية التي تستهدفه على أيدي «أنظمة تلك البلدان».

وهذا ما كان أعلنه صراحة نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم، بحجة أن «هناك بلداناً تعتبر الميليشيات منظمة إرهابية، وبالتالي هناك إشكالية في القيام بالحملات الانتخابية في هذه الدول، وهذا يحقق عدم المساواة بين الفرقاء السياسيين». ما يعني ان «الحزب» خائف من «الرقيب» التابع لتلك الأنظمة الذي يرصد اقتراع كل مغترب شيعي على وجه الخصوص، ويكتب تقريراً لمرجعيته الاستخباراتية به، ما يهدد مصيره ويعرضه للعقوبات وربما للترحيل.

وعلينا نحن ان نصدق هذه المقولة، ونؤمن أن أصوات اللبنانيين التي يدلون بها بطريقة سرية في سفارات لبنانية ستكون مسيَّرة بما يناسب الشياطين، أكبرهم وأصغرهم.

بالتالي يشكل تهديد موظفي وزارة الخارجية بالإضراب الذي يمكن أن يصبح إضراباً مفتوحاً أو متجدداً وصولاً إلى يوم الانتخابات، ضربة معلم لتطيير مشاركة الذين تصعب السيطرة عليهم، وخطوة من الخطوات الفعالة للتلاعب بنتائج الاقتراع وإلغاء أي تصويت لا يمكن التحكم به.