ليس صحيحاً أن هذه الانتخابات لن تغيّر شيئاً، وأنه كُتب على لبنان البقاء الى الأبد رهينة منظومة تتمتع بمواصفات العصابات. كذلك لا يجوز توقع أن يحمل 16 أيار المنَّ والسلوى مُخرجاً اللبنانيين من نفق الإفقار الى نور الازدهار، ومن اللادولة الى الدولة المكتملة الأركان.

إحراز أي تقدم ربطاً بالنتائج مرهونٌ بقرار الناس. ومهما أتت، فإنها ستنتج دينامية جديدة وتشكل منعطفاً في السياسة والاقتصاد محدّدةً مصير اللبنانيين ومستقبل أبنائهم سواء اقترعوا لمصلحة 8 أو 14 آذار. وفي المناسبة - ولو بقليل من الاستطراد - ينبغي إسقاط وهْم خيار ثالث يتجاوز هذين العنوانين الكبيرين كون تطورات 17 عاماً تلَت الاغتيال الكبير في 14 شباط أحبطت إنتاج "كتلة تاريخية" توحِّد اللبنانيين على أساس المواطَنة، أو توافقاً على أن الدولة هي عمود الخيمة التي تستوعب التعدد والاختلاف.

المناظرات والمقابلات والوجوه الجديدة الثورية والوريثة وتنوع البرامج هي عُدة واجبة وضرورية للإنتخابات، لكن يُفترض ألا تضيِّع بوصلة الناخبين والهدف من الاستحقاق. لا نزال نحتاج للاقتراع "أبيضَ على أسود" وللاختيار بين فريق تَظاهر قبل أن تجفّ دماء رفيق الحريري هاتفاً في 8 آذار "شكراً سوريا" ويمدِّد مظلته على تحالفات وتنويعات انضمت إليه تحت الأهداف نفسها، وبين فريقٍ لا يزال يحافظ على روح الرد التاريخي في ساحة الشهداء يوم 14 آذار تحت شعار "حرية، سيادة، استقلال"، وهو بدوره خضع لتعديلات لم تغيّر جوهر الصراع ومساره.

إنها فرصة المواطنين لأخذ مصيرهم بأيديهم، فيقرّرون حاضرهم ومستقبلهم غرقاً نحو الأعماق أم نجاةً من الإختناق. إنهما خياران واضحان. أولهما يتمثل اليوم بالأكثرية الحاكمة رئيساً وحكومة ومجلس نواب، وهو جاثم على صدر اللبنانيين بقوة الترهيب والسلاح وتُعَرِّف عنه ارتكاباته على نمط 7 أيار المشين، تعطيل الحياة الدستورية لفرض رئيس جمهورية تابع للمحور الايراني، التسبب بتفجير 4 آب ومنع العدالة من التحقيق والحقيقة، هدر فلكي ونهب الودائع بالتكافل مع مافيا الفساد. وثانيهما طرفٌ ليس فوق النقد والمحاسبة في أسلوب ادارة الدولة وتورط بعض أهله في الصفقات المعيبة، لكنه متمسك بالسيادة وبرفض السلاح غير الشرعي واستباحة الحدود ومنع المؤسسات الدستورية من ممارسة صلاحياتها بما يتناسب مع القانون ومصلحة لبنان، وهي أساسيات بديهية لبناء الأوطان وشرط شارط لأي إصلاح.

لا أسرار ولا مفاجآت. انتصار السياديين على تنوعهم سيفتح الباب للأمل باستعادة الدولة وعلاقات لبنان العربية والدولية مع كامل الإدراك أن الفريق الآخر لا يؤمن بأكثرية وأقلية ولا بتداول سلطة ديموقراطي. أما انتصار الممانعين فيعني تعميق المأساة والحال المزرية، وخفوت الأمل بتعاون مع صندوق النقد أو عودة الاستثمارات، وازدياد الرغبة بالباسبورات أو بـ"قوارب الموت"، توازياً مع عنف أهلي وكراهية طبيعية للحريات وحقوق الانسان.

هي حلبة ملاكمة سيربح أحد طرفيها بالنقاط. لا حسمَ بالضربة القاضية. السياديون أعجز من ذلك. والممانعون، في أوج زهوهم، لن يكونوا أكثر من نسخة عن نظام الوصاية الذي جَرجَر أذيال الخيبة ذات 26 نيسان.

لن تحدّد نتائج الصناديق نوع الأكثرية فحسب، بل ستفرض حتماً على الجميع معاودة النظر بأساليب مقاربة الأزمة الوطنية التي يعانيها لبنان، وربما في مسلَّمات كانت خطاً أحمر على مدى عمر جمهورية الاستقلال. لذلك يبقى اختصار جلجلة المعاناة رهنَ الخيار الأصح في 15 أيار.