منذ أكثر من شهر ما عاد أحدٌ من الأطراف المعنية بالحرب لدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد. لقد اجتمع المجلس خمس مرات خلال الشهر الأول من الحرب، دون أن تكون للاجتماعات نتائج ظاهرة. فالغربيون، وعلى رأسهم أميركا، شديدون في اتهام روسيا. والروس والصينيون يجيبون بالفيتو الذي يملكونه. ولذلك خفَت صوتُ المنظمات الدولية باستثناء الصليب الأحمر الذي يتحدث عن هذه الصعوبة أو تلك وبخاصةٍ في مدينة ماريوبول. ثم حصل الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش على موعد مع بوتين، فتفاءل الجميع باعتبار أنّ الرئيس الروسي لا بد أن يعطي الأمينَ العامَ شيئاً ولو صغُر مثل الممرات الآمنة لخروج المدنيين والعسكريين في ماريوبول المحاصرة وغيرها. وفوجئنا بأن بوتين وضع غوتيريش على نهاية الطاولة الضخمة التي وضع عليها الرئيسَ الفرنسيَّ ماكرون في بدايات الحرب. ثم لم يعلن عن نتائج الاجتماع. ماذا يحدث للنظام الدولي؟


يقول المراقبون إنّ النظام الدولي تعطّل، رغم أنّ الرئيس الروسي أكد على إيمانه بميثاق الأمم المتحدة، لكنّ النظام العالمي ضروري لبقاء علاقات الحدّ الأدنى، ولا وسيلة لذلك غير المؤسسات الدولية القائمة، أو أن يحصل التوافق على نظامٍ جديدٍ بديل. وفي ظلّ الانقسام الكبير الآن، وربما غداً، لا أمل بالطبع في التوافق على نظامٍ جديدٍ. ولذا يصر الجميع على أنه لا بد من الأُمم المتحدة وميثاقها ومجلس أمنها، وإن لم تُوفَّقْ هذه المرة.
لقد ذكرتُ مراراً مقولةَ المؤرخ البريطاني الراحل أريك هوبسباوم ومؤداها أنّ مجلسَ الأمن يفشل في ثلثي الحالات التنازعية في استعادة السلام، بسبب صراعات الدول الكبرى بداخله وفي المشهد العالمي. وكانت هناك دعوات ومشروعات لتطوير عمل مجلس الأمن بحيث يصبح أكثر فعاليةً. وتمضي تلك المشروعات باتجاهين: اتجاه زيادة عدد الأعضاء الثابتين من خمسة إلى عشرة، أو اعتماد الغالبية في اتخاذ القرارات دونما إمكانية لاستخدام الفيتو. أما بالنسبة لزيادة أعداد الثابتين فكان يجري التفكير بإضافة ألمانيا واليابان والهند. وما وافق الخمسة الكبار على أيٍّ من الاقتراحات. وقال المندوب البريطاني مرة في ثمانينيات القرن الماضي: ماذا لو اتخذت الغالبية بمجلس الأمن قراراً بوقف قتالٍ كانت إحدى الدول الكبرى تشارك فيه؟ كيف سينفذ القرار؟
إذا تدخلت دول كبرى أُخرى للإنفاذ، فمعنى ذلك حدوث حرب عالمية!

المهم أنّ الجميع متضررون الآن بالانقسام الفظيع الذي يصنع أزمةً اقتصاديةً عالميةً طاحنةً. وبالطبع فإنّ أوكرانيا أكبر المتضررين، لكنّ روسيا تأتي بعدها مباشرةً في الخسائر العسكرية والاقتصادية. ولأنّ الانتصار لا يحدث سريعاً، فإنّ روسيا تهدد بتوسيع الحرب باتجاه مولدوفا تارةً، وتهدد تارةً أخرى باستخدام أسلحة خارقة. لماذا لم تنجح الوساطات؟

لأنه قبل شهرين كان المتوقع أن تحكِم روسيا سيطرتَها على كييف وتُقيم حكومةً أُّخرى توقّع اتفاقاً مع موسكو. أما الآن وقد تعذر ذلك، فإنّ روسيا تريد دعم انفصال الجمهوريتين في شرق أوكرانيا وافتكاك ممر بري عبر أوكرانيا بين أراضيها وشبه جزيرة القرم. وهذا يحتاج إلى القتال شهوراً أُخرى ما دامت أوكرانيا تملك جيشاً وتتلقى أسلحةً غربيةً متطورةً. أوضاع الحرب سيئة إذن، وهناك انسداداتٌ لا يمكن كسرها من الجهتين.
*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية