"الجمال لغة تتهجاها حتى الأعين الجاهلة"، هي مقولة قديمة أتحفظ على شيء منها وهو وصف العيون بالجهل، وأتفق مع مبدئها أن الجميع يستطيع تمييز الجمال، وأزعم أن الأغلبية تستطيع اكتشاف مكامن الجمال في أي شيء إذا رغبت في ذلك.

أعجبني أيضا في المقولة استخدام التهجي الذي ينم عن التأمل والتأتأة، وإمعان التركيز كما يفعل الصغير المتحمس بين يدي والدته أو معلمته وهي تفتح فمها مع كل حرف ينطقه في صورة هي أيضا جميلة.
عندما ينزل الموديل الجديد من سيارة معينة للأسواق وفيه تغيير جذري في الشكل، يمتعض المعتادون ويصفونه بالقبح، ثم شيئا فشيئا يدركون مناحي الجمال فيه، ومكامن القوة في تصميمه، ويصبح الانطباع الجمالي عنه مبنيا على أسس راسخة قوية تكفيه لحين نزول الجيل المقبل بعد عدة أعوام.
إذن إمعان النظر وبنية محايدة يساعد على التقاط مكامن الجمال، ويعفيك من مقولة "الجمال جمال الروح" التي يعرف من تقولها له فور النطق بها أنه لم يعجبك.
الجمال نافذة الإعجاب وبوابة الحب للبشر والأشياء وإمعان النظر ليس باستخدام حاسة البصر، فإن باستخدام إحساس البصيرة، فالقدرة على تقييم الجمال الظاهري،
أو الجوهري ترتكز على إحساسك، وذائقتك، فلا يوجد ما يتفق الناس على جماله على الإطلاق، أو قبحه كذلك.
في العلاقات البشرية يشكل عدم إمعان البصيرة سببا لعدم تلمس مكامن جمال الروح، على اعتبار أن جمال المظهر لقي قبول "الانطباع الأول"، ويعتمد معظم الرجال، والنساء على انطباعاتهم الأولية، ويضعون حاجزا بينهم وبين دواخل شركائهم فلا يعودون قادرين على القراءة كونهم لم يحاولوا تهجي هذه الملامح.
أيضا على مستوى الدول يذهب أحدهم إلى دولة أوروبية تعلم يقينا أنها كئيبة، ومبانيها شاحبة، وناسها متعجرفون، ثم يأتيك ويقول إنها بلاد جميلة، وتسأله لماذا؟ فيخبرك عن تفاصيل صغيرة مثل النظام والنظافة واحترام الدور لتكتشف أنه حاول جاهدا تحديد مكامن تميز أو جمال، لم يبذل الجهد نفسه لإدراكها في وطنه.
ربما تكون القصة هي سؤال ما إذا كان الجمال ذاتيا يكمن "في عين الناظر" كما في المثل الشائع عالميا، أم أنه ميزة موضوعية للأشياء الجميلة.
تبدو الإجابة الدقيقة التي تناسب الجميع شبه مستحيلة لأن كل عقل له إجابة تعتمد على تأمله وإدراكه، وكل عقل يدرك جمالا مختلفا.