لم تكن هذه الجمعة عادية على قلب الشعب الإماراتي والأمة العربية والإسلامية، فقد فقد العرب واحداً من القادة المخلصين في الوطن، رحيل كبير بحجم قائد عظيم، إنه الحداد العربي. رحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

رجل ورث الحكمة من والده المؤسس المغفور له الشيخ زايد فاستطاع أن يكتب بحروف من نور مواقفه الوطنية في الأوقات الصعبة، صاحب بصمات ورؤى ووجهات نظر اتسمت بالمقبولية العربية والإقليمية والعالمية.

من يتأمل مسيرة ومشوار المغفور له الراحل الشيخ خليفة، يتأكد له أن قيادته لدولة الإمارات قادتها إلى بر الأمان ووضعتها في مصاف دول السلام والتسامح. في عهده شهد العالم وثيقة الأخوة الإنسانية، وإرادة العيش المشترك، وتأصيل الدستور الإنساني الذي ينظم العلاقات بين الناس من مختلف الأجناس.

الحاكم السادس عشر لإمارة أبوظبي، كبرى الإمارات السبع المكونة للاتحاد، نجح في مد الأيادي البيضاء لشعوب الأمتين العربية والإسلامية في كافة المجالات الاقتصادية، والسياسية والدبلوماسية والتنموية، سار على درب والده، ونهل من قاموسه في التعامل مع القضايا المركزية، آمن بمفهوم العروبة والدولة الوطنية، فامتلك فلسفة الحكم الرشيد التي تبنت الفكر الثقافي والتنويري في الارتقاء بالوعى، والتفاعل والتعاطي مع الاستقرار وتبريد الصراعات.

الشيخ خليفة واكب تاريخ الإمارات في جميع مراحله، فقد حرص والده الشيخ زايد على اصطحابه في معظم نشاطاته وزياراته اليومية، وظل ملازماً لوالده في مهمته لتحسين حياة القبائل في المنطقة وإقامة سلطة الدولة، مما كان له الأثر الكبير في تعليمه القيم الأساسية لتحمل المسؤولية والثقة والعدالة، جعل من تجربته العريضة نموذجاً في الانخراط وسط المواطنين والوقوف عند آمالهم وآلامهم، فحاز على حب شعبه الذي التف حوله في حياته ومماته.

منذ توليه مهمة الحكم، وحرص على استكمال الدولة التي كان يراها في عيون والده، أسس بنية تحتية عصرية وتابع مشاريع التطوير والتحديث التي شهدتها دولة الإمارات، وتولّى الإشراف على ما عُرف بمفاوضات المشاركة النفطية التي أعادت صياغة السياسة النفطية لبلاده، كان صاحب نظرة ثاقبة ورؤية مستقبلية وفق استراتيجيات مدروسة وتقديرات عملية تتماشى مع الحلم والواقع، فأعطى أولوية قصوى للمشاريع القومية الكبرى، وتطوير وتحديث المرافق والخدمات المختلفة، وعمل على تأسيس جهاز إداري حديث، ومنظومة تشريعية متكاملة، باعتبار ذلك أساساً لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

التاريخ الإماراتي يكتب بفخر حجم الإنجازات التي شيدها المغفور له بإذن الله، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يحرص كل الحرص على استقرار دولة الإمارات الريادي واستمرارها كمنارة تقود شعبها نحو مستقبل مزدهر يسوده الأمن والاستقرار، حرص الراحل الشيخ خليفة على تعميق أواصر العلاقات المصرية الإماراتية التي أسسها حكيم العرب، فعلى سبيل المثال وصلت خصوصية العلاقات بين مصر والإمارات ذروتها خلال الفترة الحالية، فقد شهدت تطوراً كبيراً ونوعياً في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها، ونمواً ملحوظاً في معدل التبادل التجاري، وزيادة كبيرة في حجم الاستثمارات الإماراتية في القطاعات الاقتصادية المصرية المختلفة.

وباتت في عهده العلاقات عميقة الجذور قائمة على الوعي والفهم المشترك لطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية التي شهدتها وتشهدها المنطقة، وأضحت العلاقة تحظى بحضور ومكانة دولية خاصة مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بإرساء السلام، ودعم جهود استقرار المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.

أخيراً أقول: ليس الإمارات وحدها هي التي فقدت المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، بل إن الأمة العربية بأكملها فقدت رجلاً وقائداً مهماً سيذكر التاريخ أنه لعب أدواراً فاصلة في أوقات فارقة.