في مطلع عام 2017 وأثناء مقابلة رسمية مع حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بمناسبة فوز مملكة البحرين برئاسة المنظمة الدولية للفن الشعبي، لمسنا جميعاً توجهات جلالته نحو الحفاظ على التراث والموروث الشعبي المادي وغير المادي، حيث تحدث جلالته عن رؤيته حول إنشاء قرية تراثية أو مهرجان تراثي سنوي يتولى مهمة نقل المعرفة إلى الأجيال جيلا تلو الآخر ويبرز تراثنا البحريني العريق للعالم أجمع ويصبح عُرسا تراثياً سنوياً.
ولعمري أن مثل هذا الفكر يعكس الاهتمام الحقيقي والجاد من قبل جلالة الملك بالحقوق الثقافية باعتبارها رافداً من روافد حقوق الإنسان التي جعلها ركيزة مهمة من ركائز المشروع الإصلاحي وميثاق العمل الوطني.
وإذ شهد عيد الفطر المبارك 2022 انفراجة واعدة من جائحة فيروس كورونا، فقد وجدت الفعاليات العامة موضع قدم في برامج العيد وأنشطته المتاحة للجمهور وقد استرعي انتباهي إعلانا في تلفزيون البحرين عن فتح القرية التراثية المقامة في منطقة عسكر للجمهور.
وفيما يخصّني فإنني غالباً ما أتفادى حضور الفعاليات المفتوحة لأسباب عدّة أهمها فكرة الازدحام، ولكنني بدعوة من أصدقاء قريبين للقلب رافقتهم إلى القرية التراثية في اليوم الأخير لها.
وقد رأيت تسجيلا مصورا للقرية في الإعلان، ولكن من المؤكد أن ما تشاهده في الصور يختلف كثيرا عن مشاهدته في الواقع، فالواقع دائماً أجمل وأكثر قُرباً من التفاصيل الصغيرة، لذلك كانت تجربة زيارة القرية التراثية عيداً آخر بالنسبة إليّ بدءاً من تفاصيل إنشائها الضاربة في عمق التراث البحريني الممتزج بمنشآتها المعاصرة مثل مَعلم باب البحرين.
فقد حرصت وزارة شئون الإعلام على تفاصيل التراث البحريني الذي يبرز أصالة ثقافة البحرين وأهلها في الماضي منها المهن كمهنة دق الحب وثقافة الأكل الشعبي الذي أتقنته شابات بحرينيات تواجدن في موقع القرية طوال فترة العيد، وثقافة الفنون الشعبية المتمثلة في وجود الفرق الشعبية والتي لعبت لها دوراً بارزاً في إحياء حفلات الزواج وغيرها من المناسبات السعيدة، وقد مثّلتها فرقة شباب الحد التي بدأ أعضاؤها في تقديم فقراتهم المنوعة وبأصوات جميلة وواعدة. وكان أهم ما يميز القرية التراثية هو فكرة الحفاظ على الطابع الإنشائي القديم، فتجلت فيه المباني القديمة بهيئتها الكفيلة بإحياء الحنين في قلوب معاصريها. استمتعنا بكل هذا وأكثر أنا وصاحبتي وقد انتهيت مع صديقتي بعد حوار صغير تقييمي لتجربتنا بأنها رائعة ومؤثرة في الذاكرة ولكننا أجمعنا على فكرة تطوير فكرة القرية التراثية من خلال التعرف على تجارب الآخرين في هذا الصدد منها تجربة القرية العثمانية ومدينة تركيا المصغرة على سبيل المثال، وفكرة إقامة مهرجانات دورية فيها تغطي كل تفاصيل التراث والموروث الشعبي البحريني بهدف الحفاظ عليه وتناقل المعارف وجعلها مصدراً من مصادر الايرادات وانعاش الاقتصاد البحريني، كما أثق أن هناك مقترحات كثيرة لتطوير القرية التراثية لدى سواي بإمكاننا معاً أن نرتقي من خلال طرحها بهذا العمل.
التعليقات