قد يكون من المصادفات أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان المولود في العام 1961 قد تولى مقاليد الحكم في بلاده وهو في الحادية والستين من عمره، وهو ثالث أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كما أنه ثالث رئيس لدولة الاتحاد منذ الإعلان رسميا عن تأسيسها في الثاني من ديسمبر 1962 بعد والده الشيخ زايد بن سلطان وأخيه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد الذين كانا يمثّلان جيل التأسيس من ممثلية الحاكم في العين إلى إمارة أبوظبي وصولا إلى الدولة الوطنية الحديثة التي دخلت في ديسمبر الماضي عامها الحادي والخمسين.

كان الشيخ زايد الذي يعتبر أبا للدولة ورمزا وطنيا ومرجعية للمجتمع، قد رأى في ابنه الشيخ محمد امتدادا له من حيث الرؤية والحكمة والطموح، وقد أشرف بنفسه على مرحلة إعداده للحكم من خلال التربية والتعليم والتوجيه العملي لإدارة الشأن العام ولاسيما أنه كان قد تفتّح وعيه مع تولي والده الحكم في إمارة أبوظبي في صيف 1966، وكان قد بلغ العاشرة من عمره عند قيام دولة الاتحاد، وتربّى نفسيا واجتماعيا وثقافيا وقيميّا في إطار الهوية الوطنية الجديدة التي تكرست بتوحيد الإمارات السبع ودخول مرحلة الانفتاح الفعلي على العالم من خلال مشروع البناء والتنمية والنهضة الشاملة التي بدأت تتشكّل قبل نصف قرن من الآن.

خلال عقد التسعينات كانت الملامح العامة لشخصية محمد بن زايد قد بدأت تتبلور ليس فقط من خلال خصوصيتها العسكرية والاستراتيجية، ولكنها كذلك من خلال الرؤية السياسية والاجتماعية والقراءة المتقدمة لواقع الدولة والمنطقة، فهو وكما وصفه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ظِلّ زايد، باعتباره قد نما وترعرع في رحاب مجلسه وعلى صدى صوته ووفق رؤيته وثوابته، ولكنه كذلك نتاج جيل جديد منفتح على الثقافات والحضارات، لا يقنع بما تحقق ولا يخضع لشروط المحافظة التقليدية ولاسيما من الناحية السياسية، وإنما يطمح إلى دور رائد يتجاوز دور الدولة الثرية المنتجة للنفط والمستكينة لتحالفاتها الموروثة.

الشيخ محمد بن زايد أدرك باكرا أن المخطط قد يعصف بالجميع دون استثناء وأن الدولة الوطنية تبقى لوحدها الغطاء والوجاء للمجتمعات وللسلم الأهلي بينما لا يمكن الوثوق في جماعات الإسلام السياسي

في تلك السنوات، بدأت بصمات محمد بن زايد تظهر على عدد من القطاعات الاستراتيجية المهمة كالدفاع والأمن والإعلام والتعليم والثقافة، وأصبح اسمه يتردد بالكثير من الاهتمام باعتباره ظِلّ زايد بالفعل، وصاحب الامتياز في إقرار ما يراه صالحا. ولم يكن خافيا أنه بدأ منذ تلك المرحلة في التصدي لمشاريع التمكين لجماعات الإخوان الوافدة التي كانت قد بدأت تتحرك ضمن مخطط إقليمي لم يكن في حاجة إلى وقت طويل للكشف عن نفسه وعن عرّابيه الإقليميين والدوليين.

كان الشيخ زايد، من أكثر المتحمسين لرؤية ابنه الشيخ محمد، وفي ذات الوقت كان بالغ التقدير لابنه الأكبر الشيخ خليفة في مرحلة بناء أبوظبي وإدارة المنطقة الشرقية وقيام دولة الاتحاد وقيادة مرحلة التأسيس، والذي كان قد عينه وليا للعهد منذ العام 1969 بما يعني أن حكم أبوظبي ورئاسة الدولة كانا سيؤولان إليه تلقائيا بعد وفاته.

ولضمان تمكين ابنه الشيخ محمد من القيام بدور ينتظره ويحتاج إليه في أعلى هرم السلطة في الدولة، بادر الشيخ زايد في نوفمبر 2003 بإصدار قرار فريد من نوعه، ويتمثل في تعيينه نائبا لوليّ العهد على أن يتولى منصب وليّ العهد عند خلوّه، ويلغى كل مرسوم يتعارض مع ذلك المرسوم الذي قد يكون فاجأ الأوساط الدبلوماسية والمراقبين الأجانب، ولكنه شكّل للمجتمع المحلي نتاجا آخر لحكمة الشيخ زايد في سعيه لتأمين مستقبل الدولة التي أسسها ورعاها ووفّر لها كل ضمانات البقاء ودوام النجاح.

بوفاة الشيخ زايد في نوفمبر 2004، دخلت دولة الإمارات عهد الشيخ خليفة الذي واصل السير على نهج والده ضمن أطر كلاسيكية تفرضها توازنات الداخل والخارج، وفي الأثناء كان الشيخ محمد قد تولى الإدارة التنفيذية بالنسبة إلى إمارة أبوظبي وبالنسبة إلى دولة الإمارات ككل، وقد كان عليه أن ينتبه جيدا إلى المخاطر التي كان قد تعرض لها الأمن القومي العربي بعد حالة الفوضى التي شهدتها المنطقة واتساع نفوذ الجماعات المسلحة وميليشيات الإسلام السياسي وكذلك مع ارتفاع نسق التدخلات الخارجية والكشف عن مخططات لاستهداف استقرار الدولة الوطنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعن مؤامرات لم تكن تستثني أي دولة بما في ذلك دول الخليج.

أدرك الشيخ محمد بن زايد باكرا أن المخطط قد يعصف بالجميع دون استثناء، وأن الدولة الوطنية تبقى لوحدها الغطاء والوجاء للمجتمعات وللسلم الأهلية، بينما لا يمكن الوثوق في الميليشيات المسلحة والجماعات المتمردة مهما كانت هويتها، ولا في جماعات الإسلام السياسي التي لا تعترف بالهوية الوطنية للدول والشعوب، ولا في من يقف وراءها من القوى الإقليمية والدولية، ومن هذا المنطلق كان دور الإمارات واضحا ومعلنا وقويا في مواجهة مؤامرة بث الفوضى في البحرين، وفي دعم ثورة الثلاثين من يونيو في مصر، وفي مساندة الشرعية في اليمن، وفي التصدي للمشاريع الإرهابية التي كانت تستهدف العراق وليبيا وسوريا وغيرها، وفي تأمين القرن الأفريقي ومنطقة الساحل والصحراء، وفي تكريس تحالفات عربية وإسلامية ودولية فاعلة ضد الإرهاب بجميع تشكلاته، وكذلك في اختراق جميع الصفوف التقليدية والاندفاع بجرأة القرار إلى تنبي خطوات غير مسبوقة على مسارات التسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والسلام مع الدول واعتماد سياسة صفر مشاكل مع الجميع باستثناء الساعين لاعتناق التوتر سبيلا وهدفا لتنفيذ الأجندات المشبوهة.