حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه احتفالاً بالذكرى ال 77، ل«يوم النصر على النازية»، من اندلاع حرب عالمية شاملة. وقبلها بيومين ارتفعت نبرة التحدث عن الحرب النووية، ففي موسكو كان دخول الصواريخ النووية العابرة للقارات، إلى الميدان الأحمر، مظهراً لما عده الغرب تحذيراً من استخدام أسلحة نووية، بينما حذر الأمين العام لحلف الأطلسي من استخدام روسيا السلاح النووي في أوكرانيا.

وصاحَب التحذيرات المتبادلة، تحفظ من قيادة حلف الناتو، باستبعادها وقوع حرب نووية، لأنها ستكون خسارة للجانبين، الغرب وروسيا معاً. وهو ما يجعل احتمال حرب نووية شبحاً مراوغاً.

هذا المناخ من التحذيرات المتبادلة، استفز ذاكرتي لأستخرج منها شهادة للقائد العام السابق للقيادة الاستراتيجية الأمريكية، الجنرال المتقاعد جورج لي تبلر، وكان ذلك ضمن خطاب ألقاه في ديسمبر/ كانون الأول 1996 بنادي الصحافة القومي في واشنطن، وكنت حاضراً هذا المؤتمر بحكم عضويتي للنادي باعتباري مراسلاً أجنبياً. يومها قال الجنرال بتلر: إن الأسلحة النووية خطرة بالتأكيد، وكُلفتها عالية، وإن مهمتها الأساسية هي الردع النووي الذي يمنع أي طرف من البدء بحرب نووية، أما إذا اشتعلت الحرب النووية، فسيكون من الصعب السيطرة عليها، وإذا أردنا أن نعيش في عالم لا تهدده حرب نووية، فعلينا العمل على نزع هذه الأسلحة.

هذه الكلمات كانت تتصل بأجواء الجدل الدائر وقتها حول العلاقة بين الردع النووي الذي يعني منع الخصم من أي هجوم، خشية تعرضه لضربات نووية من الطرف الآخر، وبين الحرب النووية.

وقتها قرر خبراء استراتيجيون أن الردع النووي ساعد بالفعل على منع نشوب حرب نووية بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، وإذا كان في الإمكان الحيلولة دون وقوع حرب نووية، فإن من الممكن أن تزيد احتمالات الحرب التقليدية.

وبعد انتهاء الحرب الباردة، اتفق عدد من مؤيدي الرقابة على التسلح، من سياسيين وعسكريين، على أنه يجب على أمريكا خفض اعتمادها على الأسلحة النووية بصورة أساسية؛ بل أكثر من ذلك كان هناك مجموعة من العسكريين المتقاعدين، والعلماء، والمفكرين المتخصصين في الشؤون العسكرية، تمسكوا بأن يكون نزع الأسلحة النووية، هدفاً واضحاً للولايات المتحدة. وإن الأسلحة الذكية تمثل بديلاً فاعلاً عن الأسلحة النووية.

وحدث بعد خطاب الجنرال بتلر عام 1996، اجتماع لستين شخصية من الجنرالات المتقاعدين، والسياسيين من 17 دولة، منها أمريكا، وبريطانيا، وروسيا، واتفقوا جميعهم على تأييد مبدأ نزع السلاح النووي، وبعدها بعامين في عام 1998، عقد مؤتمر على أعلى مستوى ضم الرئيس السابق جيمي كارتر، والسياسي البريطاني لورد كالاهان، والرئيس السوفييتي السابق جورباتشوف، ومستشار ألمانيا السابق هيلموت شميت، ورئيس وزراء كندا بيير ترودو، وأصدروا بياناً يؤيدون فيه نزع الأسلحة النووية – وتشكلت لجنة لدراسة هذا التوجه – والتي أصدرت تقريراً عنوانه «بناء عالم متحرر من الأسلحة النووية»، وأن يتولى الرئيس الأمريكي مهمة التزام الولايات المتحدة بنزع الأسلحة النووية.

لكن ذلك التوجه اصطدم به التقرير السنوي للمخابرات المركزية المقدم إلى الكونغرس، والذي تحدث عن تهديدات الصواريخ الباليستية، من كوريا الشمالية، وإيران، وباكستان، وإجراء تجارب على صواريخ جديدة يتجاوز مداها ألف كيلو متر.

وبناء على هذه المعلومات راحت الأصوات تعلو مطالبة بالاحتفاظ بالمخزون النووي؛ بل وتطويره إذا لزم الأمر. وفى مواجهة هذا التوجه، تمسك المنادون بنزع السلاح النووي بموقفهم، القائم على أن الأسلحة التقليدية الذكية توفر بديلاً للسلاح النووي.

ثم، جاء في دراسة بعنوان «الأسلحة النووية في القرن الحادي والعشرين»، إن التهديدات المستقبلية للأمن القومي تنقسم إلى 3 نوعيات؛ هي: نزاعات بين قوى كبرى خاصة ما يتعلق بروسيا والصين – ونزاعات إقليمية تدخل فيها دول نووية محتملة مثل كوريا الشمالية وإيران – ونزاعات تشمل تورط منظمات إرهابية.

وبالنظر إلى روسيا، تحديداً، فإن الدراسة أشارت إلى ما كشف عنه رئيس وكالة الفضاء الروسية من أن بلاده تعتزم نشر أول وحدة عسكرية مزودة بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.

ثم كان إلقاء الضوء بشكل كبير على جلسة مناقشة جرت من جانب معهد الدراسات الاستراتيجية، وكلية الدفاع الوطني، تحت عنوان «السياسة النووية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين»، ويتلخص مضمونه في أن الأسلحة النووية ستلعب باستمرار دوراً لا غنى عنه في سياسة الأمن القومي الأمريكي، خاصة بالنظر إلى زيادة التعاون بين روسيا والصين في المجالات الاستراتيجية.