برز تحول جذري في الدراما السعودية منذ سنوات على صعيد التنوير لكثير من المفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامي وتحديداً ما يسمى بالجهاد في بؤر دموية تقودها قوى متشددة ومتطرفة فكرياً وسلوكياً، على عكس اهتمام الإعلام الرسمي الكويتي.

قوى إرهابية تسيطر على الأنظمة والمجتمعات، كما هو الحال في طالبان، أفغانستان سابقاً، وسوريا والعراق ودول أخرى، حيث تحولت تلك البلدان إلى ساحة اقتتال وليس جهاداً، كما ورد في الشريعة الإسلامية.

على مدى سنوات، احتضن تلفزيون «ام بي سي» بتركيز مهني ظاهرة الجهاد، التي حصدت أرواح شباب في عمر الزهور وترملت بيوت نتيجة إرهاب فكري وجهل ديني نتيجة تأثير التيار المتشدد، الذي تطور في ما بعد تحت مظلتي داعش والقاعدة.

مسلسل #العاصوف، الذي تصدر الدراما السعودية خلال السنوات الأخيرة وتحديداً في شهر رمضان باهتمام بالغ وتجسيد رائع من قبل أسرة المسلسل، وفي المقدمة الممثل المبدع في تفكيره وأدائه الجريء للتشدد والإرهاب الفكري وهو ناصر القصبي.

قاد الممثل السعودي المبدع ناصر القصبي مسلسلات كوميدية أخرى، قاد بجرأة متناهية التصدي للتزمت الاجتماعي والتشدد الديني والجهل الذي يغزو بيوتا خليجية وعربية وأجنبية أيضاً إلى جانب معالجة درامية بناءة، في حين غابت مثل هذه الأعمال الهادفة عن الكويت!

ثمة تباين وتمايز في البيئة السياسية والثقافية بين الكويت والشقيقة السعودية، ولكن اللافت أن الرياض تفوقت ثقافياً على الكويت أخيراً في معالجة ظاهرة الغلو والتطرف الديني من خلال دراما بناءة بهدف نشر الوعي الجماهيري والتنوير المجتمعي.

مسلسل #عاصوف العام الحالي، 2022، انطلق منذ حلقاته الأولى نحو تسليط الضوء الإعلامي بصورة مباشرة وجريئة، على العوامل الاجتماعية والدينية وراء بروز وانتشار الفكر المتشدد والغلو والجهاد باسم الدين، من دون مجاملة أو وجل من تيارات دينية متطرفة.

تناول مسلسل #العاصوف بواقعية دينية واجتماعية وضع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، التي حاولت أن تكون «سلطة داخل السلطة الحكومية» في المملكة، في حين عادت السلطة اليوم إلى موقعها الصحيح، أي إلى السلطات الأمنية، كما ورد في سيناريو #العاصوف. على حين انشغل الإعلام الرسمي الكويتي بكثافة في دراما اجتماعية سطحية ومتواضعة في بعضها وأخرى على خجل في معالجة ظاهرة التشدد الديني والتطرف الفكري بصورة عميقة وواقعية، بل الإرهاب الديني خوفا من تيارات إسلامية متشددة ونوابها في مجلس الأمة.

اجتاحت ظاهرة التشدد والغلو القاتلة المجتمع الكويتي وأروقة الكثير من المؤسسات التعليمية وبصفة خاصة كلية الشريعة في جامعة الكويت، التي تحولت كما يبدو إلى بيئة حاضنة للفكر المتشدد على مستوى بعض الأساتذة وكذلك بعض الطلبة، من دون إدراك حكومي لهذه الظاهر الخطرة!

عالج باحثون كويتيون ظاهرة الإرهاب الفكري والغلو مع تحديد منابعه، إلا أن الجهات الرسمية الكويتية كما يبدو تخشى قيادة التصدي لهذه الظاهرة الدموية، لذا نجد أن المناهج التعليمية لا تستفيد من تلك البحوث ولا تطويرها بما يحافظ على أمن البلد واستقراره.

بتقديري، أنه في وقت مضى ربط البعض النقد للحركات الأصولية بأنه نقد موجه إلى السعودية، وهو خطأ في التفسير، حيث تقود المملكة اليوم حملة ضد الإرهاب الفكري، تأكيداً على تدارك سياسي لشأن ديني واجتماعي في غاية الخطورة.

لا أستبعد أن تتبنى السعودية الأبحاث الكويتية وغيرها والاستفادة منها تعليمياً وتربوياً وفنياً، في حين تتهاون الجهات الرسمية الكويتية في تبني مثل هذه القرارات والسياسات بسبب الفزع من ردود فعل جماعات التيارات الدينية المتشددة.

تتجاوز السعودية اليوم حساسية الماضي البعيد من أجل مستقبل مستنير بهدف نشر الوعي والتنوير ضد قوى إرهابية حفاظاً على المجتمع والدولة أيضاً، بينما تتفرج حكومة الكويت على ما يجري في الساحة بسبب غياب عزيمة القرار وتراخٍ في تطبيق القانون!

غاب الحسم والحزم عن حكومة الكويت منذ زمن في التصدي لمنابع التطرف الديني والإرهاب الفكري، ولعل السكوت على فتاوى رسمية وغير رسيمة يؤكد على ذلك، فقد تحولت الساحة المحلية لاجتهادات دينية متناقضة ليست في مصلحة المجتمع والدولة ككل.