بأكثر مما كان متوقعاً، وبخلاف كل التقديرات المسبقة لنتائج الانتخابات، جاءت النتائج صادمة لكل من فرّط بمصالح لبنان، وقَبِلَ أن تكون بلاده جزءاً من الدولة الفارسية، فقد خرج الحزب الثنائي الشيعي مع حزب الرئيس عون من الأغلبية التي كانوا يشكلونها في مجلس النواب لصالح القوات اللبنانية والقوى الأخرى المعارضة لسلاح ميلشيا حزب الله وتبعية لبنان لإيران.

كان اختراق المرشحين للانتخابات في معاقل النخب السياسية في حزب الله والتيار الوطني الحر والمردة وأمل وغيرهم، وسقوط مدوٍ لنائب رئيس المجلس النيابي وكرامي وأرسلان حلفاء حزب الله، واستحواذ القوات اللبنانية على مقاعد الأكثرية من المسيحيين على حساب التيار الوطني الحر حليف حزب الله، إنما هي مؤشرات أخرى على أن أحداثاً عاصفة متوقعة لصالح الشعب اللبناني وفي مقدمتها القضاء على الفساد، ونزع فتيل السلاح المنفلت وغير الشرعي في البلاد.

ظهر الناخبون أقوى من آلة الحرب التي يمتلكها حزب الله، ويرهب بها معارضيه، وتمكنوا من إذلال الرئيس اللبناني عون باستحواذهم على مقاعد كانت ضمن حصة حزبه التيار الوطني الحر، كما أن اللبنانيين السنة حافظوا على بعض مقاعدهم رغم تآمر سعد الحريري عليهم بمنع ترشح أي سني تحت مظلة تيار المستقبل، وانسحابه والمستقبل من الترشح في خطوة فسرت على أنها تفتح الطريق لملء الفراغ من حزب الله وحلفائه، إلا أن هذه الخطوة الحريرية لم تنجح.

بهذا يكون لبنان أمام مجلس جديد، بأكثرية جديدة، وبأسماء تدخل المجلس لأول مرة، وبسقوط مدوٍ لعدد ممن كانوا يتحكمون بالقرار، ويوجهون السياسة اللبنانية داخلياً وخارجياً بما لا مصلحة فيها للبلاد، ما يعني أن اللبنانيين أمام فرصة ذهبية كبيرة لمعالجة الأوضاع الصعبة التي مر بها، من اقتصاد متردٍّ إلى بطالة متفشية، ومن فساد مستشرٍ إلى حاجة إلى الإصلاح، والأهم أن يتبنى المجلس قراراً بالأغلبية لنزع السلاح من حزب الله، والتحرر من كذبة سلاح المقاومة، فالمقاومة تكون باستخدام السلاح الشرعي الذي يحمي البلاد، لا بالسلاح الذي يستقوي به حزب إرهابي ضد المواطنين.

وأمام المجلس الجديد مسؤولية كبيرة ومهمة تتمثل في اختيار الرئيس الجديد للبلاد، وتشكيل الحكومة الجديدة برئيسها وأعضائها، فقد عانى لبنان من سوء اختيار ميشيل عون رئيساً للبلاد، مثلما عانى من سوء اختيار رؤساء الوزراء وبعض الوزراء في فترة رئاسة عون بسبب التدخل العوني في الاختيارات والصلاحيات، وإملاء شروطه ليقبل بالمرشح لرئاسة الوزراء وأسماء من يتم اختيارهم للحقائب الوزارية.

ومع سقوط نائب رئيس مجلس النواب الموالي لسوريا وحزب الله، وفشله في المحافظة على مقعده في مجلس النواب، فقد آن الأوان أن يتم اختيار نائب لمجلس الوزراء لا يكون جزءاً من المعادلة الإيرانية - السورية في توجيه دفة سياسة الدولة لصالح أطراف خارجية، كما أن رئيس المجلس نبيه بري الذي هو وحزبه يشكلان مع حزب الله الثنائي الشيعي في تعطيل أي قرار لا يصب في مصلحة إيران، وقد أمضى أكثر من ربع قرن في رئاسته للمجلس ربما يكون من المصلحة أن يعاد النظر في مسألة التجديد له في ظل المستجدات والاستحقاقات وقد أصبحت أكثرية أعضاء المجلس من خصومه، مع أن المؤشرات والتسريبات تشير إلى التوجه للتجديد له، وإن حدث ذلك فلن تكون له اليد الطولى في قرارات المجلس بعد أن أصبح مؤيدوه من الأعضاء لا يتمتعون بالأغلبية في أصوات المجلس.

لبنان - ربما!!- يتعافى من محنته، وهذه هي الفرصة الأخيرة ليعود حراً وسيداً، وصاحب قرار مستقل، رغم أن حزب الله سارع إلى تهديد الأعضاء الجدد، متهماً إياهم بالولاء لإسرائيل، كأول رد فعل غاضب على فشل مشروع الحزب في هذه الانتخابات، ومحاولة تفسير ما حدث، وكأنه ليس استفتاءً بين من باع البلاد، وأولئك الذين اختيروا لحمايته، وإصلاحه، والعودة به إلى الحضن العربي مثلما كان.