«لم تظلم كاتبة في الوطن العربي كما ظلمت سميرة عزام. هذه المرأة خضراء الظل، المبدعة المناضلة الشامخة المقاتلة. هي رائدة القصة القصيرة ولم تأخذ حقها من النقد والنقاد، ولم تنشر أعمالها كما ينبغي لكاتبة في مثل مقدورها، وهي العربية الفلسطينية - الودودة قلبًا، الصلبة موقفًا... كانت سميرة عزام متجهة نحو فلسطين عندما ماتت على الحدود، كانت فلسطين حلمها وأغنيتها وهي أملها ومعشوقتها... ولم تمت سميرة بداء أو مرض، فقد ماتت نتيجة جرح الأرض النازف في خاصرتها، تعبها الشخصي هو حلمها الكبير في أن ترى أمتها منتصرة، وأن ترى الوحدة حقيقية، والإنسان حرًا والظلم مرفوعًا، والأرض خضراء، والليل قد أزاح سدوله القاتمة عن رؤوسنا وقلوبنا». هكذا ينقل الكاتب والباحث الفلسطيني د.مصلح كناعنة، عن الناشر في «دار العودة» حين نشر مجموعتها القصصية «الظل الكبير» وهي والتي قال عنها رجاء النقاش، وهو أحد أشهر نقاد الأدب في العالم العربي: «سميرة عزام أفضل كاتبات القصة القصيرة في أدبنا العربي. إنها أميرة كاتبات القصة القصيرة». ولدت سميرة عزام في عام 1927. في مدينة عكا شمال فلسطين، وهي المدينة التي أنجبت الشهيد غسان كنفاني. سميرة اكتوت بلهيب النكبة عام 1948، فحطت بها سفينة الأحزان في جزيرة قبرص حيث عملت في إذاعة الشرق الأدنى، ثم قذفتها أمواج الغربة إلى العراق لتواصل عملها إلى أن عادت لتعيش وتدفن في بيروت. يقول الأستاذ يعقوب حجازي الذي نشر نفس المجموعة القصصية للمرة الثانية من «دار الأسوار» في عكا عام 1986: «عاشت سنوات الغربة يلفحها الحنين إلى مدينة عكا، مسقط رأسها ومرتع شبابها، وفي عام 1967م دعاها الشوق لتدنو من الضوء المهاجر نحو الوطن المأسور، وفي درب العودة توقف القلب الكبير عن النبض في السيارة التي نهبت عجلاتها عطش السنين الخوالي...». سميرة عزام راحت ضحية كونها امرأة في مجتمع لا يعترف إلا بـ«فلان... أبو فلان» وكما قال كنفاني بين رحليلها ورحيله: «لو كانت سميرة رجلا لكانت أسبقنا جميعا إلى التربع على عرش الأدب». وكانت سميرة عزام تعرف ذلك ولكنها لا تعترف به... في إهدائها لمجموعتها القصصية «الظل الكبير» كتبت: «إلى التي اسمعتني أول حكاية فتعلمت أن الناس حكايات... إلى أمي». حين أقرأ قصص سميرة عزام أدرك أنها كانت ستموت مليون ميته لو أنها عاشت إلي زماننا هذا. بدات كتابة المقالات الأدبية منذ النصف الأول من أربعينات القرن العشرين في صحيفة فلسطين، وكتبت في لبنان في مجلات الأديب والآداب والحوادث الأسبوعية، وصدرت لها عدة مجموعات قصصية منها: أشياء صغيرة، والظل الكبير، والساعة والإنسان، وسيناء بلا حدود، والعيد من النافذة الغربية، وأصدأ، وترجمت عددًا من الروايات والكتب منها كانديدا والقصة القصيرة، ومختارات من قصص توماس وولف، والقصة الأمريكية القصيرة، وعصر البراءة. تشير بعض الدراسات إلى تكشف سيرتها الذاتية الغنية، عن أديبة عصامية شقت طريقها الإبداعي في أجواء صعبة ومعقدة، فلم تتوفر لها الدراسية الجامعية بأي شكل، ناهيك عن «جزء من» الدراسية الثانوية بالمراسلة، واضطرت إلى العمل المبكر من سن السادسة عشرة، ومع العمل في النهار، تسهر الليل في تثقيف ذاتها، وفي الحرص على تعلم اللغة الإنجليزية لتكون زادها في الانفتاح على الثقافات الأخرى، وفي كسب معيشتها بالترجمة.

تنوعت الموضوعات التي عالجتها سميرة عزام في قصصها، وتعددت اهدافها، إلا أن كما جاء في دراسة أشار إليها «مركز المعلومات الوطني الفلسطيني- وفا» قضية المرأة حازت على المساحة الأكبر، فمن بين تسع وستين قصة كتبتها أحتلت المرأة بطولة أربعين منها، إضافة إلى مشاركتها الرجل في عدد من القصص الأخرى، وفي سياق هذه القصص، لم تترك شأنًا من شؤون المرأة، أو شكلاً من أشكال معاناتها إلا وتطرقت إليه، ويمكن القول إن سميرة عزام قدمت عبر هذه القصص بانورما شاملة عن حياة المرأة الشرقية وأشكال معاناتها، وفي معظم هذه القصص، كان الهم الأنثوي الذي عالجته هما اجتماعيا إنسانيا، وتغلغلت إلى أعماق أنثاها، ولجت نسيجها. عبر اقتناص المعاناة وتحليلها بمهارة عالية، فتحت أعين النساء على واقعهن، ولأن إناث سميرة عزام من الفئات الشعبية، من الطبقة المحكومة، فهي تجهد لتوقظ الحواس الغافية، لتفتح أعينهن على طريق الخلاص، ولا خلاص إلا بالتحرر الجماعي والاجتماعي، وهي بهذا تجعل قضية المرأة غير مستقلة عن قضية الرجل، وحريتها رهن بحرية المجتمع وإن كانت تتعرض لعملية قمع مزدوج، حين يسوقها المجتمع المتخلف كالنعجة إلى مصيرها المحتوم، متعة الرجل، وخادمة له، ومنفذة لمفهومات المجتمع وتعاليمه في انضباط تام، دون أن يكون لها أي حق بالمشاركة في صياغتها. يقول الناقد جورج طرابيشي لعل ما يميز سميرة عزام عن غيرها من أديبات جيلها هو الوعي المبكر لعوامل استلاب المرأة العربية واضطهادها، فعندها ليس الرجل هو القامع الأساس، بل هي تدرك أنه ضحية عوامل خارج عن إرادته.

لقد عرفت سميرة عزام قيمة الحرف جيدًا، وأدركت قيمة الكلمة المتصلة بحياة الفقراء، والعاديبن بهمومهم الظاهرة والمكبوته. التي التقطتها بموهبة ناصجة، وكما تشير الدراسة، نقلت للقارئ، دبيب الألم الإنساني، عذاب النفس في شرايين الأنثى المقهورة والمستلبة، وقسوة العلاقات الاجتماعية المتخلفة وتقاليدها المهترئة، نذالة القمع والاضطهاد، وشهوة الحرية والتحرر، ألم الجوع والبطالة حين يدمران الإنسان، وقدسية العمل الذي يصنع الحياة ويجعلها أكثر جدارة لأن تعاش. صدى الإهانة والحقد في زفرات الفلسطيني بعد النكبة، وتوقه إلى استرجاع ما فقد، وفي كل قصصها لم تهتم بالصنعة من أجل الصنعة، فتعلو اللغة على ما عداها، لتنتج نصا يغري بالقراءة، لكن لا حياة فيه، ولابشر حقيقيون، ولم تلجأ - كما يفعل بعض النخب التي تتعامل مع الواقع بفوقية وغرور ونرجسية - إلى الضبابية والإبهام كما يفعل البعض للدلالة على ارتقاء فكري مزعوم، لم تأخذ سميرة عزام من اللغة إلا ما ينسجم مع الشخصية القصصية، فتصير عندئذ صدى لإحساس الناس ومشاعرهم بكل حرارتها وتوهجها، بخيباتها وانتصاراتها، تنقل الحياة بحلوها ومرها، وهذا ما أعطى لقصصها نكهة خاصة. يقول بعض النقاد على الرغم من أن بعض قصص سميرة عزام لا تخلو من المواقف العاطفية، والنزعة الأخلاقية، حيث يتحول الواقع إلى «أمثولة» وتغدو محركات الصراع الاجتماعي تدور على جبهتي الخير المطلق والشر المطلق حصرًا، إذ تبدو تصرفات الشخصيات والقرارات التي تتخذها والأسباب التي تدفعها إلى اتخاذها وبلورتها، هي المحصلة النهائية نتيجة لصراع النفس الخيرة ونقيضتها الشريرة، لكن قوة ارتباط سميرة عزام بالواقع وحبها العميق للناس لم يجعلا شخصيات قصصها هذه تعلو على الواقع، بل نلمس هناك تداخلًا وتبادلاً بين الواقعي والأخلاقي. نالت عزام جوائز عديدة، كما ربطتها حوارات وصداقات وطيدة مع كبار الأدباء والنقاد العرب.