كان العالم فى الفترة الأخيرة يدعو أكثر من أى وقت مضى لاستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة بديلًا للوقود الأحفورى، الذى يعد الفحم أكثر مواده إضرارًا بالبيئة وبصحة الإنسان وغذائه. ذلك فى محاولة جادة من دول العالم لإيقاف أضرار الاحتباس الحرارى، التى تهدد البشرية بأكملها.

ومع خروج الاقتصاد العالمى من تداعيات أزمة كوفيد 19، توقع كثير من المتابعين أن يعود استهلاك الفحم إلى الارتفاع بعد هبوطه الحاد أثناء الجائحة، ولكن لم يتوقعوا أن يكون استخدامه بهذا الارتفاع وبهذه السرعة، خصوصًا بعد اندلاع النزاع الروسى الأوكرانى وتبعاته، التى أثرت على العالم كله، لا سيما مسألة الحصار الذى يفرضه الغرب على روسيا.

ومؤخرًا أعطت بروكسل الضوء الأخضر للاتحاد الأوروبى لاستخدام المزيد من الفحم خلال السنوات العشر المقبلة، لإنهاء استخدام الغاز والنفط الروسى، والذى يعتبر أحد أكبر العواقب على الكتلة من حرب موسكو فى أوكرانيا.

وتريد بروكسل إلغاء العلاقات مع الطاقة الروسية بحلول عام 2027، وذلك لحرمان الرئيس فلاديمير بوتين من الإيرادات، ومنح نفسها المزيد من حرية المناورة للعمل ضد موسكو.

لكن الاستخدام المتزايد المحتمل للفحم يظهر العواقب قصيرة المدى على أجندة الاتحاد الأوروبى الخضراء، رغم إصرار المفوضية على أنها ستستمر فى دعم التوجه نحو مواجهة الظواهر البيئية الضارة.

لقد كان استخدام الفحم بداية للثورة الصناعية الأولى، وخلال السنوات الأولى من القرن العشرين زاد الطلب عليه، بل لا يزال الطلب على الفحم قويًّا، ويساعد على دفع التنمية الاقتصادية فى الأسواق الصاعدة، نظرًا لقلة ثمنه وسهولة استخراجه وتداوله.

ولكن كثيرًا من البلدان، فى سعيها لتحقيق مستقبل أكثر استدامة، بدأت تتخذ خطوات لتخفيض الاعتماد على أنواع الوقود الأحفورى، وخاصة الفحم. وقد تبين أنه من الصعب التغلب على العقبات التى تعوق جهودها فى هذا الصدد، وتعتبر الأزمات السياسية أكثر المعوقات، إضافة إلى أن الابتعاد عن الفحم عادة ما يتسبب فى خسائر لصناعة التعدين المحلية والعاملين فيها، وفى كبرى البلدان المستهلكة للفحم، كالصين والهند، وقد تتسبب المصالح القوية لصناعة التعدين المحلية فى تعقيد التخلص من الفحم وتأخير حدوثه.

وأظن أن البلاد الأوروبية ستنضم إلى الصين والهند فى هذا الأمر، مع الفارق بكل تأكيد فى كثير من النواحى، ولكن التراجع خطوة للخلف بسبب القرار السياسى الذى سارت فيه أوروبا وراء أمريكا بحصار الغاز والنفط الروسى، سيكلف القارة العجوز الكثير، وقد تصل هذه التكلفة إلى حياة سكانها.